اذهب إلى المحتوى

Recommended Posts

بتاريخ:

المسابقات التجارية وأحكامها

وهذا الموضوع هو في غاية الأهمية خاصة في وقتنا الحاضر الذي قد كثرت فيه هذه المسابقات وتنوعت، بل وتفنن القائمون عليها وأصبحت وسيلة من وسائل الاستثمار والربح، سواء المحلات التجارية المؤسسات الشركات، أو كان ذلك عن طريق الوسائل الإعلامية، فلا بد من معرفة الضوابط فيما يباح وفيما يحرم من هذه المسابقات، وتبرز أهمية هذا الموضوع من جهة اتصاله بالواقع أولا، ومن جهة عدم فهم بعض الناس للضوابط الشرعية في هذا الموضوع، وعدم فهم مقصد الشارع أو مقاصد الشرع في هذا الباب، وربما يكون من أسباب ذلك قلة ما كتب في هذا الموضوع، أعني المسابقات التجارية، وإن كان الفقهاء يذكرون أحكام السبق في باب السبق، بل عامة كتب الفقه والحديث تتكلم عن أحكام السبق، ولكن تنزيل هذه الأحكام على واقعنا المعاصر هو الذي لا يزال قليلا، لا يزال ما كتب في ذلك قليلا، بل حتى المحاضرات والدروس والندوات لا تزال قليلة مقارنة بانتشار هذه المسابقات انتشارا كبيرا، ففي هذا الدرس سوف نركز على التأصيل والتقعيد لهذه المسابقات، حيث نذكر ضوابط يستطيع كل واحد أن يعرف من خلال هذه الضوابط ما الذي يباح وما الذي يحرم من هذه المسابقات، وسنذكر أمثلة لهذه المسابقات ربما لا نستطيع الحصر لكثرتها وتنوعها، لكن سنذكر أمثلة لها، ومما سنتعرض لحكمه إن شاء الله المسابقات التجارية للشركات والمحلات والمؤسسات، وكذلك المسابقات في الصحف والمسابقات في القنوات الفضائية، وكذلك المسابقات عن طريق رسائل الهاتف الجوال عن طريق الرقم سبعمائة، وأيضا بطاقات الفنادق ونقاط الطيران، وأيضا الهدايا التي تمنحها المحلات التجارية ومحطات الوقود، كل هذه سوف نتعرض لها إن شاء الله تعالى، وسنذكر الضوابط فيها، ولكن قبل أن نتكلم عنها لا بد من أن نبدأ بالجانب التأصيلي لهذا الموضوع، فنذكر ما ذكره العلماء من قواعد وضوابط في هذا الباب على ضوء ما ورد من النصوص، فأقول: إن الفقهاء يذكرون هذه الأحكام في باب السبق، والسبق هو العوض الذي يسابق عليه، والأصل في هذا الباب حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اعتمد عليه العلماء في تقرير أحكام هذا الباب، وهو الأصل الذي يرجع إليه في هذا الباب، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: Posted Imageلا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر Posted Image هذا الحديث العظيم لا تتجاوز كتابته سطرا واحدا ولكنه اشتمل على أحكام كثيرة كما سيأتي، كل مسألة مثلا نريدها سنحتج بهذا الحديث، هذا من جوامع الكلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اختصر له الكلام اختصارا، فاللفظ الوجيز يحمل معان كثيرة، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وهو حديث صحيح من جهة السند، قال: Posted Imageلا سبق Posted Image لا نافية للجنس و"سبَق" بفتح الباء، وروي بإسكان الباء "لا سبْق" روي هذا وهذا، ولكن الرواية المشهورة هي بالفتح "لا سبَق" قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" قال: "الرواية الصحيحية في هذا المحديث السبَق" مفتوحة الباء. وهنا نفي بمعنى النهي وهو أبلغ ما يكون من النهي كأنه قال: لا يصح أن يكون هناك عوض يسابق عليه إلا في هذه الأمور الثلاثة .

المراد بالخف هنا الإبل والمراد بالنصل السهم، والمراد بالحافر الخيل.

فيكون معنى الحديث أنه لا يجوز أن يكون هناك عوض يُسابق عليه إلا في الإبل والخيل والسهام.

وإذا نظرنا إلى هذه الثلاثة - هذه الأمور الثلاثة المستثناة في هذا الحديث - ما الذي يجمعها - الخيل والإبل والسهام - ما الذي يجمعها؟ الذي يجمعها هو كونها من آلات الجهاد في سبيل الله، في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، أنها آلات جهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى: أنه لا يجوز السبق إلا إذا كان ذلك في التدريب على آلات الجهاد في سبيل الله، ويفهم من هذا أن آلات الجهاد في سبيل الله الحديثة، يجوز أخذ السبق عليها؛ لأنها في معنى هذه الأمور الثلاثة، ولأن مقصود الشارع من استثنائها هو حث الناس على التدرب عليها.

وفي قوله لا سبق دليل على أن الأصل في باب المسابقات المنع أو الإباحة؟ المنع - لاحظ هذا الأصل - دليل على أن الأصل المنع، إلا فيما ورد النص باستثنائه، إلا فيما ورد النص باستثنائه، فتنبه لهذا الأصل.

وقد قسم أهل العلم المسابقات والمغالبات إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يجوز بعوض وبدون عوض، وهو المسابقة في الإبل والخيل والسهام، وقد اتفق العلماء على ذلك، يعني هذا ليس محل خلاف، اتفق العلماء على جواز المسابقة بعوض وبدون عوض في هذه الأمور الثلاثة لهذا الحديث.

القسم الثاني: ما لا تجوز فيه المسابقة مطلقًا، سواء كان بعوض أو بدون عوض، وهو كل ما أدخل في محرم أو ألهى عن واجب.

القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض، وهو كل ما فيه منفعة مباحة، وليس فيه مضرة راجحة. كالمسابقة بالأقدام مثلًا.

وأضاف بعض أهل العلم للقسم الأول - وهو ما يجوز بعوض وبدون عوض - أضافوا له ما كان فيه ظهور لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، وقد فصل ابن القيم في كتابه القيم " الفروسية " فصل الكلام في ذلك وذكر، أو واستدل لهذا بقصة مراهنة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لكفار قريش كما عند الترمذي وغيره بسندٍ، قال ابن القيم: إنه على شرط الصحيح، أنه لما نزل قول الله تعالى: Posted Imageالم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ Posted Image إلى آخر الآيات، وكان المسلمون يحبون انتصار الروم على فارس، وكانت قريش تحب انتصار فارس على الروم.

حسن محمود العتمني

بتاريخ:

لماذا كان المسلمون يحبون انتصار الروم على فارس؟

من يجيب؟ نعم، لأنهم أهل كتاب، يعني مع أنهم كفار، لكن لأنهم أهل كتاب يحبون انتصارهم، وقريش تحب انتصار فارس؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب فيشابهونهم من هذه الناحية، ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان بالبعث فيشابهونهم من هذه الناحية، وهذا يدل على أن المسلم ينبغي أن يفرح بانتصار إخوانه المسلمين، ولو كان عندهم شيء من التقصير، إذا كان المسلمون يحبون انتصار الروم مع أنهم كفار، ما بالك بالمسلم عنده شيء من القصور أو التقصير؟

فكان المسلمون يحبون انتصار الروم؛ لأنهم فقط أهل الكتاب، وذكر الله تعالى فرحهم بهذا: Posted Imageوَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ Posted Image فلما أنزل الله - عز وجل - هذه الآيات خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة يقرأها على الناس، فقال ناس من قريش قالوا لأبي بكر: تزعم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين؟ ألا نراهنك على ذلك؟ قال: نعم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه، يعني أنت تقول: إن الروم ستنتصر على فارس في بضع سنين والبضع ما بين ثلاث إلى تسع فاجعل وسطًا، فجعل ست - وفي رواية - خمس سنين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأبي بكر: Posted Imageهلا أخفضت Posted Image وفي رواية Posted Imageهلا احتطت Posted Image يعني: لو جعلتها تسعًا احتياطًا، فكان ذلك أكثر حزمًا، فمضت ست سنين ولم تغلب الروم فارسًا، فأتوا إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأخذوا منه الرهان، يعني: اتفق معهم على أن الروم ستغلب فارسًا فانظر إلى قول النبي - عليه الصلاة والسلام -: Posted Imageهلا احتطت؟ Posted Image يعني كان ينبغي أن يتحاط ويجعلها تسع، لكنه وافقهم على مقولتهم في قولهم: اجعل وسطًا، فوافقهم على ستٍ، فلما مضت ست سنين ولم تغلب الروم فارسًا، أتوا أبا بكر - رضي الله عنه - وأخذوا منه الرهان، ولكن أبا بكر رضي الله عنه كان على يقين بوعد الله سبحانه، وأن ما قاله الله حق، فعاد أبو بكر، وراهن مرة أخرى على أن الروم ستغلب فارسًا خلال هذه الثلاث السنين المتبقية فراهنوه، فلما كانت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه منهم الرهان، يعني استرد رهانه.

قيل: إنه أسلم أناس في ذلك الحين لما غلبت الروم فارسًا. والشاهد من هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكر الصديق على هذه المراهنة، وهذا يدل على أن ما كان في معنى هذه المراهنة فيه إظهار لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه فإنه جائز ولا بأس به.

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه " الفروسية " قال: " وأما الرهان على ما فيه ظهور أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه، كما راهن الصديق، فهو من أحق الحق وهو أولى بالجواز من الرهان على النضال وسباق الخيل والإبل، وأثر هذا في الدين أقوى، لأن الدين قام بالحجة والبرهان وبالسيف والسنان، والمقصد الأول إقامته بالحجة، والسيف منفذ.

قال: وإذا كان الشارع قد أباح الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل؛ لما في ذلك من التحريض على تعلم الفروسية وإعداد القوة للجهاد، فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى.

فتكون إذن هذه الحالة تضاف للقسم الأول، فنقول: ما كان إذا كانت المسابقة في الإبل والخيل والسهام، أو كان فيها إظهار لأعلام الإسلام أو أدلته وبراهينه فإنها تجوز بعوض وبدون عوض.

جمهور الفقهاء اشترطوا: إذا كانت المسابقة في الإبل والخيل اشترطوا إدخال محللٍ، أي فرس ثالث يدخل مع الخيل، أو ثالث يدخل مع الإبل، ويكون هذا المحلل الثالث مع المتسابقين ولا يخرج شيئًا هذا المحلل الثالث، فإن سبقهما أخذ سبقهما، وإن سبقاه أحرزا سبقهما. ولم يغرم المحلل شيئًا، وإن سبق المحلل مع أحدهما اشترك هو والسابق في سبقه.

إذن الجمهور اشترطوا إدخال محلل ثالث لا يخرج شيئًا، فإن سبقهما أخذ سبقهما، وإن سبقاه أحرزا سبقهما ولم يغرم شيئًا، وإن سبق المحلل مع أحدهما اشترك هو والسابق في سبقه، واعتمدوا في ذلك على حديث ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحلل، ولكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح ولا تقوم به حجة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: إن القول بالمحلل مذهب تلقاه الناس عن سعيد بن المسيب، وأما الصحابة فلا يحفظ عن أحدٍ منهم قط أنه اشترط المحلل ولا راهن به مع كثرة تناضلهم ورهانهم بل المحفظوظ عنهم خلافه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما علمت بين الصحابة خلافًا في عدم اشتراط المحلل. وقد بسط ابن القيم رحمه الله هذه المسألة في كتاب " الفروسية " ونصر القول بعدم اشتراط المحلل.

إذن هذا القول قول مرجوح، ولا يعرف هذا القول عن الصحابة، وإنما أول من قال به سعيد بن المسيب، وتبعه بعض العلماء، والصواب عدم اشتراط المحلل؛ لعدم الدليل الصحيح الدال على اشتراط المحلل، والحديث المروي في ذلك ضعيف، بل إن هذا القول - وهو القول باشتراط المحلل - لا يُعلم عن الصحابة ولا يعرف عن الصحابة، بل لا يعرف عن أحدٍ من الصحابة.

وإنما ذكرت هذه المسألة لأنكم تجدونها في كتب الفقه، في عامة كتب الفقه عندما تتكلم عن أحكام السبق، يتكلمون عن هذه المسألة، والصواب عدم اشتراط المحلل.

المسابقات في غير هذه الأمور التي استثناها الشارع إذا كانوا متسابقان فأكثر يحصل منهم بذل العوض فإنها تكون من الميسر، وهذا يقُودنا إلى معرفة معنى الميسر والقمار والعلة في تحريمه، فنقول: إن الميسر معناه في لغة العرب اللعب بالقداح.

وقال الجوهري: الميسر قمار العرب بالأزلام.

وأما اصطلاحًا: هو جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين كالمراهنة ونحوها إلا فيما استثناه النص.

وأما القمار: فهو التردد بين الغرم والغنم.

وكثير من العلماء لا يفرق بين القمار والميسر، وبعضهم يجعل القمار نوعًا من الميسر، ويجعل الميسر أعم من القمار، قد روي عن الإمام مالك أنه قال: " الميسر ميسران: ميسر لهو وميسر قمار ".

كأن أصحاب هذا القول يرون أن القمار ما كان فيه بذل عوض، والميسر ما كان فيه بذل عوض، أو ليس فيه بذل عوض وتحققت فيه العلة، فيكون بناء على هذا التفريق: كل قمار ميسر

حسن محمود العتمني

بتاريخ:

كأن أصحاب هذا القول يرون أن القمار ما كان فيه بذل عوض، والميسر ما كان فيه بذل عوض، أو ليس فيه بذل عوض وتحققت فيه العلة، فيكون بناء على هذا التفريق: كل قمار ميسر وليس كل ميسر قمار.

وقد نهى الله عز وجل عن الميسر كما في سورة المائدة وقرنه بالخمر قال: Posted Imageيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ Posted Image .

فما هي العلة في تحريم الميسر؟ هل العلة في تحريمه هو ما فيه من المخاطرة المتضمنة لأكل المال بالباطل؟.

أو أن العلة هي ما اشتمل عليه من المفسدة حتى وإن خلا عن العوض، الذي ذهب إليه المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمة الله على الجميع: أن علة تحريم الميسر هو ما اشتمل عليه من المفاسد المذكورة في هذه الآيات.

قال ابن القيم: " وهذا هو أصح نصًا وقياسًا، وأصول الشريعة تشهد له بالاعتبار، فإن الله قرن الميسر بالخمر والأنصاب والأزلام، وأخبر عن هذه الأربعة بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، ونبه عز وجل على وجوه المفسدة في الخمر والميسر، فقال: Posted Imageإِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ Posted Image .

إذن هذه هي المفاسد المترتبة على الخمر والميسر وهي إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فإذن هذه هي علة تحريم الميسر، وليست العلة هي أكل المال بالباطل، فتحريم الميسر إذن هو من جنس تحريم الخمر فإنه يوقع العداوة والبغضاء ويصد عن ذكر الله، وأكل المال فيه عون وذريعة على الإقبال عليه، فيكون إذن إذا اشتمل على أكل المال بالباطل يكون أشد تحريمًا، أما إذا كان الميسر لا يشتمل على أكل المال بالباطل، وإنما يشتمل على هذه المفاسد أو بعضها وهو أيضًا محرم.

فإن قال قائل: ما وجه اقتران الميسر بالخمر في هذه الآيات، وفي آية البقرة أيضًا: Posted Imageيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا Posted Image نجد دائمًا الميسر يقترن بالخمر، الحكمة في هذا - والله أعلم - هو أن الميسر من يدخل فيه يصبح مدمنًا كالخمر تمامًا. يصبح مدمنًا كالخمر، فقليله يدعو إلى كثيره، ولهذا فإن من يدخل في قليل الميسر يستمر فيه، ويُصبح مدمنًا عليه كالخمر تمامًا، ولأن كلًا منهما يوقع العداوة والبغضاء، وكلًا منهما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.

فتكون إذًا علة الميسر هي ما تضمنه من المفاسد وإن خلا عن العوض، ولهذا جاء في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: Posted Imageمن لعب بالنردشير فهو كمن غمس يده في لحم خنزير ودمه Posted Image بعد ذلك نقول: إن القاعدة في المسابقات المحرمة داخلة في الميسر هي كل مسابقةٍ أو مغالبةٍ أو لعبٍة يبذل فيها المتسابق، أو الداخل فيها عوضا وهو متردد بين الربح والخسارة أو بين الغرم والغنم.

كل مسابقة أو مغالبة أو لعبة يدخل فيها المتسابق أو اللاعب وهو متردد بين الربح والخسارة، فهي داخلة في الميسر، إذا كان الإنسان يدخل مسابقة وهو إما غانم وإما غارم فهي من الميسر.

فتكون المسابقات التي يُبذل فيها عوض مع التردد في الربح والخسارة من الميسر هذا هو الضابط فيها.

وأما إذا كان من يدخل في المسابقة إما غانم وإما سالم فإن هذا ليس من الميسر.

إذا كان إما غانم وإما سالم فليس من الميسر، وهذا يقودنا إلى الجانب التطبيقي لهذا الموضوع، فنقول: المسابقات التي اشترطوا للدخول فيها بذل أو دفع مبلغ من المال قليلًا كان أو كثيرًا فإنها محرمة، إلا في الأمور المستثناة التي استثناها النص، جميع المسابقات التي يبذل فيها المتسابق عوضًا فإنها محرمة إلا فيما استثني، ومن ذلك مسابقات المحلات التجارية المبنية على السحب، والتي لا يستطيع الراغب فيها، لا يستطيع الدخول إلا ببذل عوض إما بشراء قسيمة، قسيمة هذه المسابقة، وإما بشراء الحد الأدنى، بشراء بضائع تمثل الحد الأدنى للشراء فيدخل في هذه المسابقة. فإن هذه المسابقات محرمة ومن الميسر؛ لأنها تنطبق عليها قاعدة الميسر.

هذا المتسابق إما غانم وإما غارم، حتى ولو كان سعر هذه القسيمة زهيدًا، فإنه وإن كان زهيدًا بالنسبة للفرد، إلا أنه يكون كبيرًا بالنسبة لمجموع المتسابقين.

وهكذا لو وضع المحل التجاري حدًا أدنى للشراء للدخول في المسابقة، فإن هذا محرم؛ لأن وضع حدًا أدنى يعني أن لهذه المسابقة ثمن مدفوع ضمن فاتورة الشراء، أما لو كانت هذه المسابقة لا يشترط للدخول فيها شراء قسيمة ولم يوضع حد أدنى للشراء.

وكان المحل التجاري يبيع بسعر السوق لم يزد في الثمن لأجل المسابقة، فإن هذا لا بأس به؛ لأن المتسابق في هذه الحال إما غانم وإما سالم، فلا تنطبق عليه قاعدة الميسر، إذ كان من يدخل المسابقة إما غانم وإما غارم، رابح أو خاسر، فإن هذا من الميسر، وهذا سواء كان ذلك بشراء قسيمة المسابقة، أو كان ذلك بوضع حد أدنى للشراء، أو كان ذلك برفع أسعار البضائع أو السلع التي تباع في هذا المحل لأجل المسابقة. فإن هذا من الميسر.

إذا خلا من هذا كله بأن كان المحل لا يشترط الدخول في المسابقة بشراء قسيمة، ويبيع بسعر السوق ولم يضع حد أدنى للشراء لأجل الدخول في المسابقة فإن هذا لا بأس به.

ومن ذلك أيضًا المسابقات التي يشترط للدخول فيها الاتصال الهاتفي. عن طريق رقم معين مثل الرقم سبعمائة، فإن هذه المسابقات من ضروب الميسر، ولذلك جميع المسابقات عن طريق الرقم سبعمائة محرمة ومن الميسر.

لأن الاتصال عن طريق هذا الرقم مكلف، وحينئذٍ تنطبق قاعدة الميسر عليه فيكون المتسابق عن طريق هذا الرقم إما غانم وإما غارم. فإن قال قائل: قد لا يكون مكلفا بالنسبة للفرد كونه يدفع سبعة ريالات، أو عشرة ريالات ليس بمكلف.

نقول: لكنه بالنسبة لمجموعة الأفراد يكون مبلغا كبيرًا؛ ولهذا فإن عامة العلماء في الوقت الحاضر يفتون بأن المسابقات عن طريق الرقم سبعمائة من الميسر.

حسن محمود العتمني

بتاريخ:

أيضًا المسابقات عن طريق رسائل الهاتف الجوال، وهذه مع الأسف لا تزال موجودة إلى الآن من الميسر؛ لأنها تنطبق عليها قاعدة الميسر، فالذي يدخل المسابقة عن طريق رسائل الهاتف الجوال إما غانم وإما غارم فتكون إذن من الميسر.

وأما مسابقات الصحف ففيها تفصيل: فإن كان الداخل في مسابقات الصحف، إن كان يشتري الصحيفة لأجل المسابقة فإن دخوله في هذه المسابقة يُعتبر من الميسر، ويكون محرمًا، أما إذا كان يشتري الصحيفة ليس لأجل الفوز بالمسابقة وإنما من عادته شراء الصحيفة ودخوله المسابقة كان تبعًا، أو أن الصحيفة تهدى إليه عن طريق مثلا دائرة حكومية أو مؤسسة، فإنه لا بأس بالدخول في هذه المسابقة.

بهذا التفصيل أفتى شيخنا محمد العثيمين - رحمه الله - وأحسن ما قيل في هذه المسألة هو التفصيل، لأنه بهذا التفصيل نرى أن قاعدة الميسر تنطبق على الحالة الأولى، ولا تنطبق على الحالة الثانية، قاعدة الميسر إما غانم وإما غارم تنطبق على الحالة الأولى وهي من يشتري الصحيفة لأجل الفوز بالمسابقة، نجد أن قاعدة الميسر تنطبق على هذه الحالة قد يربح وقد يخسر لكن إذا كان لا يشتري الصحيفة لأجل الفوز في المسابقة من عادته أصلًا شراء الصحيفة، فأجاب عن أسئلة هذه المسابقة، وأرسلها وفاز لا بأس، أو أُهديت له الصحيفة فاشترك في هذه المسابقة فلا بأس.

أما كونه يشتري الصحيفة لأجل الفوز بالمسابقة فإن هذا من الميسر.

وقد ذكر أحد المشايخ نقلًا عن رئيس التحرير في إحدى الصحف أنه قال: إن صحيفته كانت تطبع في اليوم الواحد أربعين ألف نسخة، ويُسترجع منها كل يوم ألف نسخة على الأقل، فلما وضعنا مسابقة أصبحنا نطبع ثلاثمائة ألف نسخة ولا يُسترجع منها شيء، ما معنى هذا؟ معنى هذا أن كثير من الداخلين في المسابقة يشتري أعدادا ليس في حاجة إليها، وإنما لأجل الفوز بالمسابقة، يشتري العشرين نسخة، خمسين مائة نسخة من عدد الصحيفة حتى يفوز بالمسابقة، لاشك أن هذا داخل في الميسر فانظر - يعني - الغالب أن قراء هذه الصحيفة هم القراء أو مقاربون كونه تضاعف العدد من أربعين ألف إلى ثلاثمائة ألف نسخة، يعني هذه يعد دلالة على أن كثير من داخلي هذه المسابقات، يشتري هذه الصحف لأجل الفوز بالمسابقة، وهذا تنطبق عليه تمامًا قاعدة الميسر.

ومن ذلك أيضًا من صور المسابقات التي يدخل فيها الميسر بطاقات الفنادق وما يسمى بنقاط الطيران، إذا كان الداخل فيها يبذل عوضًا، فإنها حينئذٍ تنطبق عليها قاعدة الميسر.

فإن بعض خطوط الطيران مثلًا تضع نقاط إذا جمعت كذا نقطة يعطونك جائزة، أو يُعطونك سفر مجاني، أو نحو ذلك، فهذه حكمها إذا كان المتسابق أو الداخل فيها يبذل عوضًا، فإنها تكون من الميسر، وإلا فإنها جائزة، وبهذا قرر مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فإنه أصدر قرارا في المسابقات، ومن ضمن بنود هذا القرار بطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطا تجلب منافع مباحة، هي جائزة إذا كانت مجانية بدون عوض، أما إذا كانت بعوض فإنها غير جائزة، إذن هذه تجري إذن على القاعدة بطاقات الفنادق ونقاط الطيران والمؤسسات إذا كانت بدون عوض مجانية فإنها لا بأس بها، أما إن كانت بعوض فإنها محرمة.

أيضًا المسابقات الثقافية التي يشترط للدخول فيها شراء قسيمة أو شراء كتاب أو شريط فإن هذه تنطبق عليها قاعدة الميسر؛ لأن الداخل فيها يبذل عوضًا وهو شراء هذه القسيمة أو الكتاب أو الشريط، وهو إما غانم وإما غارم، فتنطبق عليها القاعدة، وبعض العلماء ألحقها بالقسم الأول، وقال: إنها تعتبر من العلم، وما كان من العلم فإنه يلحق بالقسم الأول، وهو ما يجوز فيه المسابقة بعوض أو بدون عوض ولكن هذا محل نظر.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم: قال: Posted Imageلا سبق Posted Image وهذا يشمل جميع أنواع السبق إلا في هذه الأمور الثلاثة، ثم إن هذا لا ينضبط نقول: إن ما كان في العلم إن كان جائزا بذل العوض فيه فإن هذا لا ينضبط؛ لأن هذا يجر على جميع المسابقات الثقافية، ولهذا نقول بالنسبة لهذه المسابقات: لا يجوز أن يؤخذ من المتسابقين أي عوض، وإنما إذا كانت تطرح المسابقة ويتبرع بالجوائز بها طرف ثالث يعني من غير المتسابقين فإنها تعتبر جعالة ولا بأس به، فإذا كانت الجوائز من طرف ثالث فإن هذا التكييف الفقهي لهذا هو أنه من قبيل الجعالة، ولا بأس به، المهم أنه لا يبذل المتسابقون أي عوض ولو يسيرا وعلى هذا مسابقات القرآن والسنة النبوية، والمسابقات الثقافية عمومًا هذه إذا كانت الجوائز تقدم من طرفٍ ثالث غير المتسابقين لا بأس بها ويكون التكييف الفقهي لها أنها من قبيل الجعالة؛ لأن الجعالة هي: " بذل مال لمن يعمل عملًا معلومًا أو مجهولاً، مدة معلومة أو مجهولة " هذا هو تعريف الجعالة عند الفقهاء.

وهذا ينطبق على هذه المسابقات، بل ربما نقول إن هذا النوع من المسابقات إنه مندوب إليه، ومحمود لما فيه من التشجيع على حفظ كتاب الله، وحفظ السنة والتشجيع أيضًا على تحصيل العلم، فهذا لا بأس به، لكن المهم ألا يبذل المتسابقون أي عوض؛ لأن الأصل في هذا الباب المنع إلا فيما استثناه النص، فإن قال قائل: إن بعض الإخوة في بعض الحلقات والمراكز وغيرها يجعلون مسابقات في كتاب أو في شريط ويُباع بسعر التكلفة، يقولون: نحن لا نستفيد شيئا لا نربح، نبيع بسعر التكلفة. نقول: حتى ولو كان بسعر التكلفة لا يجوز؛ لأن الأصل في هذا الباب المنع، لا سبق إلا في هذه الأمور الثلاثة، وأنت إذا كنت عاجزا عن التبرع بقيمة هذا الكتاب أو وضع جوائز مجانية من عندك، فلست ملزمًا بهذه المسابقات حتى لا توقع عباد الله في الميسر، إذا لم يكن عندك الاستعداد الكافي للقيام بهذه المسابقات، فأنت لست مجبرًا عليها، ولست ملزمًا بها؛ لأنه حتى لو بيع الكتاب أو الشريط بسعر التكلفة فإنه تنطبق قاعدة الميسر، هذا الداخل في هذه المسابقة يشتري هذا الكتاب أو الشريط، وهو إما غانم وإما غارم، والنبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا قاعدة: Posted Imageلا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر Posted Image فالواجب هو التمسك بهذا النص. وعدم الخروج عنه؛ لأنه أتى بهذا اللفظ الجامع؛ لأن لا نافية للجنس تنفي جميع أنواع السبق إلا فيما ورد النص باستثنائه، وأيضًا من هذا من صور ذلك أيضًا جميع الألعاب التي يبذل فيها عوض، ويكون الداخل فيها مترددا بين الربح والخسارة، وهذه مع الأسف موجودة في بعض المحلات، الألعاب التي يشترط الدخول فيها بذل عوض، وقد يفوز وقد يخسر، فإن هذه من ضروب الميسر.

ومن ذلك أيضًا ما يُبذل من مال في لعب ورق البلوط والشطرنج والنرد فإن هذه من ضروب الميسر، وقال عليه الصلاة والسلام: Posted Imageمن لعب بالنردشير فهو كمن غمس يده في لحم خنزير ودمه Posted Image قال: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اللعب بالنرد حرام، وإن لم يكن بعوض عند جماهير العلماء، وإن كان بعوض فهو حرام بالإجماع.

ومن ذلك أيضًا الرهان في غير ما ورد النص باستثنائه، فإنه محرم كأن يكون رهان على خبر معين: أراهنك على أنه إن لم يكن كذا فلك كذا، أو إنك إن قمت بكذا أراهنك على إنك إن قمت بكذا فلك كذا، يعني يكون بينهما شيء من التحدي، فإن هذا رهان محرم ولا يجوز إلا ما كان فيه نصرة للإسلام وإظهار لأعلامه وبراهينه، كما راهن أبو بكر رضي الله عنه قريشا، فإن مراهنة الصديق رضي الله عنه كانت على سبيل التحدي لهم، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا واعتبر العلماء هذه صورة مستثناة. وإلا فإن الأصل في الرهان المبني على التحدي أنه محرم، وأنه من ضروب الميسر.

إذن هذه صور من ضروب الميسر، وهذه الصور التي ذكرناها هي من يعني أنواع أو ضروب الميسر، وعرفنا القاعدة فيها وهي أن كل مسابقة أو مغالبة أو لعبة يدخل فيها الإنسان وهو متردد بين الربح والخسارة، حيث يكون غانما أو غارما رابحا أو خاسرا فإنها تكون من الميسر، تكون محرمة إلا ما ورد النص باستثنائه وهي مسابقة الخيل والإبل والسهام، وكذلك ما كان في نصرة لأعلام الإسلام وبراهينه.

ونأتي لذكر بعض الأنواع من المسابقات التي لا تدخل تحت قاعدة الميسر ذكرنا منها مسابقات القرآن والسنة، والمسابقات الثقافية التي لا يبذل فيها المتسابقون أي عوض، أيضًا من ذلك هدايا بعض المحلات التجارية، كالتي تكون مع الألبان والعصائر ونحوها، فإن هذه الهدايا لا بأس بها؛ لأنها في حقيقة الأمر تنازل من البائع عن بعض حقه، فكأنه يقول مثلًا هذا العصير. بدل ما أبيعك هذا العصير بعشرة ريالات أبيعك إياه بثمانية ريالات، وبدل من أن يأتي بهذا بصورة مباشرة يضع معه هدية.

ومن ذلك أيضًا بعض الهدايا التي تكون في بعض أنواع الحليب أو غيره حيث يوضع نقود في الحليب مثلًا، يقول: نحن نضع نقود في بعض علب هذا الحليب، أو هذه السلعة فإن كانت هذه السلعة تباع بسعر السوق، أي أنه لم يزد في الثمن لأجل هذه المسابقة، هذا لا بأس به؛ لأنه لا تنطبق عليها قاعدة الميسر؛ لأنه إما غانم وإما سالم، أما إذا كان يزاد في السعر لأجل هذه المسابقة، فتنطبق عليه قاعدة الميسر فيكون إما غانما وإما غارما، تكون إذن على هذا التفصيل.

ومن هذا أيضًا ما يُبذل من هدايا من بعض محطات الوقود محطات البنزين مثلًا، حيث يمنحون من يُعبئ منهم الوقود هدايا كعلب مناديل ونحوها، هذه نطبقها على القواعد التي ذكرناها، إذا كان البنزين يُباع بسعره من غير زيادة، ومنح من يأتي إليهم هذه الهدية فهل تنطبق قاعدة الميسر هنا؟ لا تنطبق لأنه من يُعبئ الوقود هنا إما غانم وإما سالم، وليس إما غانم وإما غارم، فلا تنطبق قاعدة الميسر هنا، فأنت تعبئ بسعر السوق وأعطاك هدية، وهو في حقيقة الأمر كأنه خفض لك سعر البنزين لكن بطريق غير مباشر، بدل ما يقول لك: سعر اللتر مثلًا سبع وثمانين هللة، بدلا من تسعين هللة، أتى لك بهذه الطريقة، أعطاك هدايا، وهذا لا مانع منه ولا بأس به، فلا تنطبق قاعدة الميسر على هذه المسألة، وبعض العلماء منع منها وقال: إنها تحدث ضررًا لمحطات الوقود الأخرى، ولكن هذا محل نظر؛ لأن أمور التجارة قائمة على التنافس بين التجار من قديم الزمان، والأسعار تخضع للعرض والطلب والتنافس بين أرباب التجارة، وقد غلت الأسعار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا يا رسول الله سعر لنا قال: Posted Imageإن الله المسعر القابض الباسط Posted Image .

فكون هذا يُخفض في السعر هذا لا بأس به، وهذا كما ذكرت موجود من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وحينئذ نقول: إن هذا لا بأس به. نعم لو وصلت المسألة إلى حدوث أضرار كبيرة فهنا تكون مسئولية ولي الأمر أن يتدخل، أما بالنسبة للأفراد فإنه لا بأس في الدخول - يعني - في مثل هذه الصور.

مثلًا أن تذهب لمحطة بنزين تعبئ لك وقودًا وتأخذ منه هدية أو يُعطونك كروتا، وإذا جمعتها حصل لك مثلًا إما تغيير زيت أو غسيل مجاني أو نحو ذلك؛ لأن هذه في الحقيقة لا تنطبق عليها قاعدة الميسر التي ذكرناها، قد أفتى بهذا بعض مشايخنا ومنهم الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، وجماعة من أهل العلم بأن هذه لا تدخل تحت قاعدة الميسر ولا تنطبق عليها؛ لأنك إما غانم وإما سالم.

ومن منع من ذلك من العلماء فليس معه دليل ظاهر؛ لأنها إن قال: من الميسر فلا تنطبق عليها قاعدة الميسر، وإن قال يحدث ضررًا، فنقول أمور التجارة قائمة على هذا، على التنافس بين التجار وإلا لو أخذت بهذا المبدأ منعت التجار من التنافس ما بينهم في تخفيض الأسعار ونحو ذلك، وهذا يتنافى مع أمور التجارة، إلا كما ذكرت كان هناك ضرر، إما بزيادة الأسعار أو بخفضه خفضا مبالغا فيه، فإن هذا تكون مسئولية ولي الأمر كما بين بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وابن القيم عندما تكلم عن التسعير وحكمه، وأن ولي الأمر هو الذي يتدخل ويُسعر إذا رأى المصلحة في هذا.

أقول: المسابقات هذه درسها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقد أشرت إلى القرار الصادر في هذا، وذكر جملة من الضوابط أشرنا لمعظمها في ثنايا هذا الدرس، ومما ذكره في هذا أن المسابقة بلا عوض جائزة في كل أمر لم يرد في تحريمه نص، ولم يترتب عليه ترك واجب، أو فعل محرم، هذه إذا كانت بلا عوض، إذا كانت المسابقة بلا عوض فإنها بابها واسع، تجوز إلا فيما كان يترتب عليه ترك واجب، أو فعل محرم، أما إذا كانت بعوض المسابقة بعوض جائزة إذا توفرت فيها الضوابط الآتية:

1- ألا يكون العوض من المتسابقين، وهذا أهم الشروط في الحقيقة أهم الشروط ألا يكون العوض من المتسابقين إلا فيما استثناه النص.

2 - وأن تكون أهداف المسابقة ووسائلها مشروعة وإن تحقق مقصدا من المقاصد المعتبرة شرعًا، وألا يترتب عليها ترك واجب أو فعل محرم.

هذه الضوابط التي وضعها المجمع الفقهي، وأهمها كما ذكرت عدم بذل العوض من المتسابقين؛ لأن الأصل في هذا الباب هو المنع إلا ما ورد النص باستثنائه.

بطاقات وكوبونات المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزء منها في مجموع الجوائز لا تجوز شرعًا؛ لأنها ضرب من ضروب الميسر، وقد أشرنا إلى هذا، الكوبونات أو القسائم التي تدخل قيمتها في مجموع الجوائز بحيث يكون لها ثمن، فإنها من ضروب الميسر.

أيضًا جاء في القرار المراهنة بين الطرفين فأكثر، على نتيجة فعل لغيرهم في أمور مادية أو معنوية، حرام لعموم الآيات والأحاديث، كما ذكرنا الأصل في المراهنة المنع، إلا ما ورد نص باستثنائه، كالمراهنة لإظهار أعلام الإسلام وأدلته وبراهينه.

أيضًا جاء في القرار دفع مبلغ عن المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز شرعًا، إذا كان ذلك المبلغ جزء منه يدخل في قيمة الجوائز.

وأشرنا إلى هذا، وقلنا إن المسابقات عن طريق المكالمات الهاتفية أنه محرم، ومن ضروب الميسر؛ ولذلك من أراد أن يجعل المسابقة عن طريق الهاتف فليجعل الرقم مجاني، إذا كان مجاني حينئذٍ لا إشكال، أو أنه إذا كان العدد محدودا في مكان محدود يمكن أن يؤتى بهاتف ويُجعل المسابقات عن طريق هذا الهاتف.

... ترد هذه الإشكالية وهي انطباق قاعدة الميسر على المسابقات عن طريق المكالمات الهاتفية.

جاء في القرار أيضًا لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط دون الاستفادة المالية عن طريق المسابقات، شريطة ألا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وألا يكون في الترويج غش أو خداع أو خيانة للمستهلك، لا مانع من هذا لكن بهذا الشرط، ألا يبذل المتسابقون عوضًا.

أيضًا تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بخسارة لاحقة للفوز غير جائزة شرعًا، وهذا يوجد في المسابقات عن طريق بعض القنوات الفضائية، وتكون من هذا النوع أن مقدار الجائزة يتصاعد أو ينخفض بخسارة اللاحقة، وهذا من ضروب الميسر.

وبطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطا تجلب منافع مباحة، جائزة إذا كانت مجانية - يعني بدون عوض - أما إذا كانت بعوض فإنها غير جائزة.

هذه هي الضوابط في هذا الباب، وكما ترون هذه المسائل مسائل دقيقة، يعني الفرق بين الميسر كون هذه المسابقة من الميسر أو ليس من الميسر فرق دقيق، لهذا ينبغي التنبه لمثل هذه المسائل، وألا يدخل الإنسان في آية مسابقة إلا بعد التأكد من أنها ليست من الميسر؛ لأن المسابقة التي يصحبها بذل عوض الأصل فيها المنع، خذ هذا الأصل معك، وهذا الأصل مستفاد من النص، من قول النبي صلى الله عليه وسلم: Posted Imageلا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر Posted Image وتعتبر من ضروب الميسر، فيكون إذن هذا هو الأصل في المسابقات التي يكون فيها عوض من المتسابقين.

حسن محمود العتمني

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...