اذهب إلى المحتوى

Recommended Posts

بتاريخ:

عقود التوريد وعقود المناقصات والمزايدات

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:

حديثنا في هذا الدرس سيكون -إن شاء الله- عن عقود التوريد وعقود المناقصات والمزايدات، وقبل أن نبدأ بعقود التوريد التي يرد فيها إشكالات كثيرة وتساؤلات خاصة عند من يتعامل بتوريد البضائع والسلع

حيث يقع العقد على ما لا يتم تملكه في كثير من الأحيان، وهنا ترد هذه الإشكالية، فيكون المورد لا يملك البضاعة، ويعقد مع صاحب المحل، فيكون قد باع ما لا يملك، بل إن هذا لا يختص بالتوريد، بل حتى بعض أصحاب المحلات عندما يتعاملون مع الزبائن ترد هذه الإشكالية، وهو أنهم قد يبيعون ما لا يملكون، ولهذا سوف نبحث هذه المسألة من التكييف الفقهي لعقود التوريد ، وسوف نذكر البدائل والمخارج الشرعية لهذه الإشكاليات الواردة في هذه العقود، ولكن قبل أن نبدأ في الحديث عن عقود التوريد لا بد من الإشارة ولو بشيء من الاختصار إلى عقود سوف نحيل عليها عندما نتكلم عن التكييف الفقهي لعقود التوريد سوف نحيل على عقدين مهمين هما: عقد السلم، وعقد الاستصناع، فلا بد أن نعرف حقيقة السلم، وحقيقة الاستصناع، وشروطهما، حتى إذا أحلنا عليهما تكون الإحالة إلى أمر واضح ومعروف مسبقا.

فنبدأ بالحديث عن السلم، ثم الاستصناع، ثم بعد ذلك ننتقل للتكييف الفقهي لعقود التوريد، فنأخذ نبذة مختصرة عن السلم، نقول السلم: في اللغة: مأخوذ من التسليم والإسهام، ويقال له: السلف، بالفاء، واشتهر في بعض كتب الفقه هذه المقولة، وهي أن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق تجدون في كثير من كتب الفقه هذه العبارة: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق

ولكن عندما نتأمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد أهلها وهم يسلفون - بالفاء - ثمار السنة والسنين،

ويعرف الفقهاء السلم بأنه: "عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد". ولنضرب مثالا نشرح به التعريف، نشرح على ضوئه التعريف: أتى رجل إلى آخر وقال له: خذ هذه عشرة آلاف ريال، أسلمت لك هذه العشرة آلاف ريال نقده عشرة آلاف ريال، على أن تعطيني بها مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في منتصف شهر رجب من هذا العام أو من العام المقبل مثلا. أعطاه عشرة آلاف ريال وقال على أن تعطيني مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في وقت كذا في منتصف شهر رجب مثلا من هذا العام أو من العام المقبل، هذا يعتبر سلما، إذا أردنا أن نطبق هذا على التعريف، عقد على موصوف في الذمة، موصوف في الذمة يعني تمر، تقول: تمر من النوع السكري هنا، هذا موصوف في الذمة، ولا تقل: هذا التمر، أو تمر من المزرعة الفلانية، أو من هذه المزرعة، هذا لا يصلح موصوفا في الذمة، الموصوف في الذمة تقول: تمر من نوع كذا، ولا تحدد من أي مكان، وإنما هو في ذمتك تأتي به من أي مكان.

"عقد على موصوف في الذمة مؤجل" لأنه لا بد أن يكون السلم مؤجلا فلا يصح أن يكون حالا، لأنه إذا كان حالا أصبح بيعا.

"بثمن مقبوض في مجلس العقد" يعني لا بد أن يكون رأس مال في السلم، وهو في هذا المثال عشرة آلاف ريال، لا بد أن تسلم في مجلس العقد، وهذا في الحقيقة سيأتي الكلام عنه، وهو من أهم شروط السلم، يعني لا بد أن أعطيك العشرة آلاف الآن على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا في وقت كذا، أسلمها لك العشرة آلاف الآن، إذا لم أسلمها لك الآن تصبح المسألة من قبيل بيع الدين بالدين فيقع في الربا.

طبعا السلم مشروع بإجماع - قبل أن نتكلم عن الشروط - نقول: السلم مشروع بإجماع العلماء، يسميه بعضهم بيع المحاويج، لأنه في الغالب يلجأ إليه الفقراء، وهو مشروع بإجماع العلماء، ورد بذلك الحديث الذي ذكرناه في الصحيحين، حديث ابن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد أهلها يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: Posted Imageمن أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم Posted Image .

أما شروط صحة السلم فيشترط له شروط البيع، ويضاف لها سبعة شروط، نذكرها على سبيل الاختصار:

الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته، كالمكيل والموزون والمزروع ونحو ذلك، وإذا قلنا: المكيل والموزون، هذه العبارة تتردد في كتب الفقه والحديث كثيرا مكيل وموزون، ما الفرق بين المكيل والموزون؟......، يعني المكيل هو: تقدير الشيء بالحجم، والموزون تقدير الشيء بالثقل. فمثلا هذا الصاع، أقول: إذا ملأت هذا الصاع بتمر أو قمح، أقول: هذا صاع تمر، هذا صاع بر، هذا صاع يعني كذا من الحبوب، وأما الموزون تقدير الشيء بالثقل، معنى ذلك أن المكيل قد أضع فيه تمرا من النوع الثقيل وقد أضع فيه تمرا من النوع الخفيف، وقد أضع فيه برا من النوع الثقيل وقد أضع فيه برا من النوع الخفيف، فيكون أيهما أدق، الكيل أو الوزن؟ الوزن أدق بكثير، ولهذا ترك الناس في هذا الزمان الكيل، ما في حدا الآن يتعامل بالكيل، لأن الوزن أدق من الكيل، حتى في الأشياء المكيلة مثل التمور مثلا، أو مثل الحبوب، أصبح الناس الآن يزنونها وزنا، وإن كانوا يسمونها كيلا لكن هو في الحقيقة وزن، ولذلك زكاة الفطر وردت في الشرع بالكيل "صاع" والناس يتعاملون بالوزن ، ولهذا عند تحويل الكيل إلى وزن لا بد من الاحتياط، لا بد من احتياط التقدير، لماذا؟ لأن مثلا صاع من الأرز مثلا في زكاة الفطر عندما تريد تحويلها إلى كيلو جرامات قد تضع مثلا في هذا الصاع من النوع الثقيل، وقد تضع من النوع الخفيف، وهكذا من البر، وهكذا من التمر فيختلف الوزن، قد يكون مثلا وزن هذا الصاع كيلوين وأربعين جرام، قد يكون كيلوين ونصف، قد يكون أكثر، ولهذا ينبغي الاحتياط في التحويل، ولهذا مشايخنا قال: إن الصاع يقدر بثلاثة كيلو جرامات تقريبا، ولا بد من ضابط لكلمة تقريبا لأنه لا يمكن أن تحول الكيل إلى وزن على وجه دقيق بل لا بد من شيء من الاحتياط، لأن هذا الشيء الذي يوضع في هذا الصاع قد يكون ثقيلا وقد يكون خفيفا فهو يختلف.

هذه فائدة وردت معنا أحببنا أن نشير لها هنا، وهي في الحقيقة فائدة مهمة خاصة فيما يتعلق بتحويل المكيل إلى موزون. فنقول الشرط الأول: أن يكون السلم فيما يمكن ضبط صفاته، إما بكيل وإما بوزن وإما بزرع وإما بغير ذلك، أما إذا كان لا يمكن ضبط صفاته فإنه لا يصح السلم فيه.

والواقع أنه في الوقت الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع، بل إننا نجد في كتب الفقه بعض الأمثلة التي ذكرها الفقهاء وقالوا إنه: لا يصح السلم فيها؛ لكونها لا تنضبط صفاتها لأنها في زمنهم لا يمكن ضبط صفاتها، أما في وقتنا الحاضر فيمكن ضبط صفاتها بدقة متناهية، وأضرب لهذا مثالا، مثال القدور، لما قال الفقهاء: إنه لا يصح السلم في القدور؛ لأنها لا يمكن ضبط صفاتها، هذا قد يكون قدرا كبيرا وهذا صغيرا وهذا واسعا وهذا ضيقا، لكن في الوقت الحاضر يمكن ضبط القدور بدقة، بأن تذكر الشركة والبلد والرقم، وبذلك يمكن ضبط القدور بدقة متناهية حتى، ولهذا فهذا المثال نجده مثلا في كتب الفقه، ولكن لا بد أن ينظر طالب العلم إلى أن هذا المثال الذي ذكره الفقهاء بناء على ما هو موجود في زمن الفقهاء قديما، لأنه لا يمكن ضبط مثلا هذا المبيع في زمنهم، لكن في وقتنا الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع بدقة كبيرة، إذن هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا، يعني لا بد من ذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا، فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته أو قدمه، وغير ذلك من الصفات التي يختلف بها الثمن ظاهرا، يعني مثلا لو كان يريد أن يسلم في السيارات لا بد أن يذكر نوع هذا السيارة، لونها، الموديل، الشركة المصنعة، إلى غير ذلك من الأمور التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا.

الشرط الثالث: ذكر قدر المسلم فيه، فلا يصح السلم بدون ذكر قدره، وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء، لا بد إذن أن يذكر قدره.

الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، وبناء على ذلك لا يصح أن يكون السلم حالا، ففي مثالنا السابق لو قلت لك: هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلم لي الآن مائة كيلو تمر من نوع كذا، فيكون هذا يعتبر بيعا، ويكون هذا قد باع لي ما لا يملك، وقد اختلف العلماء في هذا الشرط، فالجمهور على أنه لا بد من ذكر أجل معلوم، جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: لا بد من ذكر أجل معلوم، واستدلوا بظاهر السابق

والقول الثاني: هو مذهب الشافعية أنه لا يشترط هذا الشرط، بل يصح أن يكون السلم حالا، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المسلم فيه موجودا في ملكه، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، ففي مثالنا السابق يعني لو قال: عطى عشرة آلاف ريال، قال: خذ هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلمني هذه البضاعة أو هذه السلعة الآن، وكان هذا الشخص له مؤسسة كبيرة ولها فروع في عدة مناطق ويملك هذه البضاعة، فعلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يصح هذا، وإن كان على الجمهور لا يصح، لكن على القول الثالث وهو الذي اختاره شيخ الإسلام يصح وهو القول الصحيح، لأنه الإشكال في ما إذا كان السلم حالا هو أنه قد يبيع ما لا يملك، لكن إذا اشترطنا هذا الشرط فقلنا: بشرط أن يكون المبيع في ملكه زال هذا المحظور، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، فيكون القول الصحيح في هذا الشرط أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المبيع في ملكه.

الشرط الخامس: أن يوجد المسلَم فيه غالبا في وقت حلول أجله، يمكن تسليمه في وقته، ومثل الفقهاء لهذا قالوا: فإذا أسلم مثلا في رطب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، أما إذا أسلم في رطب في الشتاء فإن هذا لا يصح؛ لأن الرطب لا يوجد في الشتاء، أو أسلم في عنب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا الشرط خلافا.

الشرط السادس - وهو في الحقيقة أهم الشروط: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد، قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، لأنه إذا لم يقبض الثمن في مجلس العقد أصبح من قبيل بيع الدين بالدين، وهو محرم بالإجماع، وهذا الشرط هو في الحقيقة من أهم الشروط، وهو الذي يحصل به الإخلال الآن عند من يريدون تطبيق السلم، فعندما أعطيك عشرة الآف ريال على أن تسلم لي هذه البضاعة من نوع كذا في وقت كذا، لا بد أن أسلم لك الآن عشرة آلاف ريال كاملة أنقدها لك الآن، فإن لم يحصل نقد رأس مال السلم الآن أصبحت المسألة من قبيل بيع الدين بالدين، كيف من قبيل بيع الدين بالدين؟ يعني المسلم فيه أصلا دين سلمه لي فيما بعد، ربما بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، فإذا أيضا أصبح رأس المال دينا لم أسلمه لك الآن أصبحت المسألة كلها من قبيل بيع الدين بالدين، وهذا لا يجوز، فلا بد إذن من تسليم رأس مال السلم كاملا، وهذا الشرط متفق عليه في المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، إلا أن المالكية أجازوا تأخير تسليم رأس المال ثلاثة أيام، ورأوا أن ثلاثة أيام مما تتسامح فيها الشريعة، كما في حديث: Posted Imageلا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث Posted Image Posted Imageنهى أن تحد المرأة على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام Posted Image Posted Imageلا يحل للمهاجر أن يبقى بعد طواف الصدر أكثر من ثلاثة أيام Posted Image إلى غير ذلك من النصوص، فكأن المالكية رأوا أن ثلاثة أيام مما يتسامح فيه الشرع، فأجازوا تأخير تسليم رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام فقط، أما بعد ثلاثة أيام فباتفاق العلماء أنه لا يجوز تأخير تسليم رأس مال السلم، وقد أخذ بهذا المجمع الفقهي أخذوا برأي المالكية في المسألة، ورأوا أن هذا فيه توسعة على الناس خاصة في السلع الكبيرة، فقد يتعذر تسليم رأس المال في نفس الوقت، فأخذ المجمع الفقهي برأي المالكية وقالوا: إن فيه توسعة على الناس وخاصة في الوقت الحاضر الذي ربما يتطلب السلم تأخير رأس المال قليلا.

الشرط السابع: أن يسلم في الذمة، أي: أن يكون المسلم فيه غير معين، أما إذا كان معينا فإنه لا يصح، فمثلا في مثالنا السابق يقول: خذ هذه عشرة الآف ريال على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا، تسلمها لي في وقت كذا، ولا يقول: مائة كيلو تمر من هذه المزرعة أو من هذا البستان؛ لأنه إذا قال ذلك فإنه ربما لا تثمر - يعني - النخيل في ذلك العام، ربما لو أسلم في الثمار من هذا البستان أو هذه المزرعة ربما لا تثمر، ربما تتلف، ولذلك لا بد أن يكون في الذمة، ولا يصح أن يكون معينا، لا بد أن يكون السلم في الذمة، ولا يصح أن يكون شيء معينا.

هذه هي شروط صحة السلم وسوف نرجع ونطبقها إن شاء الله على عقود التوريد، لكن نريد أيضا أن نأخذ نبذة مختصرة عن عقد الاستصناع.

فنقول: الاستصناع معناه في لغة العرب: طلب صناعة الشيء، واستصنع الشيء أي دعا إلى صنعه، ومعناه في اصطلاح الفقهاء: "أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق المواصفات المحددة بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك" التعريف مرة اخرى: "أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق مواصفات محددة بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك" ويلاحظ في هذا التعريف أن العقد يقع على ما سيصنعه الصانع، فالعين والعمل من الصانع جميعا، أما إذا كانت العين من المستصنع وليست من الصانع فإن العقد في الحقيقة يكون إجارة لا استصناعا، يوضح هذا بمثال: لو ذهبت لخياط وطلبت منه أن يفصل لك ثوبا والقماش من الخياط هذا يعتبر استصناعا، قلت له ممكن تفصل لي ثوبا من قماش كذا تسلمه لي في وقت كذا هذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنك أتيت بقماش وأعطيته إياه وتريد مثلا أن تخيط لي ثوبا من هذا القماش، فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة، فإذا كانت المواد والعمل من عند الصانع فإنه يعتبر استصناعا، أما إذا كانت المواد من عند المستصنع فإنه يعتبر إجارة، ولا يعتبر استصناعا.

مثال آخر: رجل طلب من مقاول أن يبني له بيتا، والمواد من عند المقاول فهذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنه طلب من هذا المقاول أن يبني له بيتا وتعهد له بأن يحضر له مواد البناء فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة.

إذا هذا العقد بهذا المعنى الذي ذكرناه منع منه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلا إذا توفرت فيه شروط السلم، جميع شروط السلم ومنها: تسليم رأس المال كاملا في مجلس العقد، وبناء على ذلك على رأي الجمهور لو ذهبت تخيط ثوبا لا بد أن تنقد الخياط رأس المال كاملا وإلا ما صح، وهكذا بالنسبة للمقاول في بناء البيت وسائر - يعني - ما يمكن أن يمثل به بهذا العقد.

والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الحنفية: أن عقد الاستصناع عقد مستقل متميز عن السلم وليس نوعا من السلم حتى نشترط فيه جميع شروط السلم، وإنما هو عقد مستقل متميز عن السلم بمسائله وأحكامه، ولا يشترط فيه تسليم رأس المال بل يجوز تأجيل رأس المال كله أو بعضه، وقول الحنفية في هذه المسألة هو الراجح، وهو الذي عليه عمل المسلمين من قديم الزمان، بل قال بعض العلماء: إنه يشبه أن يكون هذا إجماعا عمليّا من المسلمين على الاستصناع، ولو أخذنا بقول الجمهور في المسألة للحق الناس حرج كبير في الحقيقة، وإذا أردت أن تخيط الثوب لا بد أن تنقد جميع الثمن للخياط، لو أردت أن تبني عمارة لا بد أن تنقد جميع الثمن للمقاول، أردت أن تستصنع مثلا بابا أو - أي سلعة - لا بد أن تنقد جميع رأس المال، يعني تسلم رأس المال مقدما كاملا، وهذا فيه حرج كبير على الناس في الحقيقة، بل لا يسع الناس في الوقت الحاضر إلا قول الحنفية في المسألة، وكما ذكرنا يشبه أن يكون - يعني - الإجماع العملي من المسلمين على رأي الحنفية في هذه المسألة، وعلى هذا قرر المجمع الفقهي الإسلامي الأخذ بقول الحنفية في هذه المسألة، لأن القول أيضا بأنه نوع من السلم ولا بد أن تشترط فيه شروط السلم لا دليل عليه في الحقيقة، ليس عليه دليل ظاهر ويلحق الناس بسببه حرج كبير ولو أراد شخص أن يذهب إلى خياط مثلا وكان حنبليا مثلا أو شافعيا فلا بد أن ينقد الثمن كاملا وإلا ما صح هذا العقد لابد أن ينقد الثمن كاملا عندما يبني بيتا عندما يستصنع أية سلعة لكن قول الحنفية كما ذكرت يعني فيه شيء من التوسعة على المسلمين وعليه عمل المسلمين من قديم الزمان والحمد لله، فيكون القول الراجح في هذه المسألة القول بجواز الاستصناع وأنه عقد مستقل عن السلم، ومما استدل به لهذا ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: Posted Imageأن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتم من ذهب، فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذه الناس Posted Image ثم أصبح عليه الصلاة والسلام يتخذ خاتما من فضة، ولهذا يجوز لبس الخاتم من فضة، أما الذهب فإنه محرم على الرجال، وأما الفضة فإنه يجوز، وهل يقال: إنه مستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لبس خاتم الفضة؟ الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان الإنسان يحتاج إلى خاتم من فضة لختم ونحوه كأن يكون قاضيا فإنه يكون لبس الخاتم في حقه مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا، فإذا كان مثلا قاض يحتاج إلى لبس الخاتم يكون هذا يكون الخاتم مثلا عليه ختمه فإنه يكون مستحبّا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لبس الخاتم كان منقوشا عليه محمد رسول الله، يحتاج أن يختم بهذا الخاتم الكتب والرسائل التي يرسلها إلى رؤساء وملوك العالم، فإذا كان مثلا يحتاج إلى هذا الخاتم كأن يكون قاض فيكون مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا لكن بشرط أن يكون من الفضة لا من الذهب، ومحل الشاهد من هذا الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما فدل ذلك على مشروعية الاستصناع، وأما ما فيه من الجهالة والغرر فإنه مغتفر بجانب المصلحة الكبيرة، وهكذا فإن السلم أيضا فيه جهالة وغرر إلا أن هذا الغرر مغتفر بجانب المصالح المترتبة عليه، ونجد أن الشريعة تبيح بعض الأشياء التي فيها غرر وجهالة إذا كانت المصالح المترتبة عليه كبيرة، فالسلم والاستصناع فيهما شيء من الغرر والجهالة فإنه يعتبر بيع معدوم ولكن أبيح ذلك لما فيه مما يترتب عليه من المصالح الكبيرة، كما أن الشريعة مثلا أباحت بيع العرايا مع أنه بيع رطب بتمر، والأصل فيه المنع مع التفاضل إلا أن الشريعة أباحته لما في ذلك من المصالح الكبيرة.

فالاستصناع يكون من هذا الباب، ويفترض في عقد الاستصناع تحديد مواصفات الشيء المطلوب صناعته تحديدا دقيقا يمنع من التنازع، وذلك يكون بذكر الصفات التي يختلف بها الثمن، فيذكر جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة، وكذلك أيضا يشترط تحديد الأجل قطعا للنزاع ولا يشترط في عقد الاستصناع تعجيل الثمن، هذا لاحظ أن هذا الشرط في السلم لكن في الاستصناع ليس بشرط، ففي الأمثلة السابقة التي ذكرنا مثلا عندما تذهب إلى الخياط لا يشترط أن تسلم له الثمن، فإذا سلمت له الثمن أو سلمت بعضه أو أجلته كله جاز ذلك على القول بجواز الاستصناع وهو الصحيح، وهل يجوز الشرط الجزائي في الاستصناع، الشرط الجزائي وهو: أخذ غرامة مقابل التأخير، والصحيح في الشرط الجزائي أنه لا بأس به، وقد بحث الشرط الجزائي مجلس هيئة كبار العلماء قديما وأصدر فيه قرارا بالجواز في غير الديون، وهكذا مجمع الفقهي الإسلامي أيضا أصدر فيه قرارا بجوازه لكن في غير الديون، أما الدين فإنه لا يجوز الشرط الجزائي فيه؛ لأنه يجعله كربا الجاهلية إما أن تقضي وإما أن تُربي، نقول مثلا: تطلب آخر دينا ثمن مثلا بضاعة فلما حل الدين قلت له: إذا تأخرت عن السداد أحسب عليك شرط جزائي وهو مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير فهذا محرم بل هو ربا الجاهلية الصريح إما أن تقضي وإما أن تربي، لكن الشرط الجزائي في غير الديون كما لو كان في عقد الاستصناع لا بأس به، فمثلا تقول تتفق مع مقاول يبني لك بيتا خلال ستة أشهر، وتتفق معه على أنه إن تأخر عن الستة أشهر يدفع لك غرامة قدرها مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير، هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في عقد الاستصناع لا بأس به اتفق مع شخص أن يورد لك سلعة وهي مما يستصنع ووضعت عليه شرطا جزائيا قلت: على أن تدفع غرامة قدرها كذا عن كل يوم تأخير هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في غير الديون لا بأس به أما في الدين فإنه محرم.

هذه نبذة مختصرة عن عقدي السلم والاستصناع.

حسن محمود العتمني

بتاريخ:

بعد ذلك ننتقل لعقود التوريد وقد بحثها مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة التي عقدت بالرياض عام 1421هـ وقرر في عقد التوريد:

أولا: تعريف عقد التوريد:

عقد التوريد هو: عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعا معلومة مؤجلة بصفة دورية خلال فترة معينة لطرف آخر مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه.

يكون مثلا لك محل وتتفق مع شخص مورد يورد لك البضائع والسلع، يكون مثلا محل بيع أدوات كهربائية أو أدوات سباكة أو أي محل من المحلات وتتفق مع مورد يورد لك مثلا بضائعا أو سلعا، فكيف تعقد معه العقد وهذا المورد لا يملك البضاعة التي يراد توريدها، إن عقدت معه العقد مباشرة الآن يكون قد باع لك ما لا يملك وهنا يرد الإشكال.

ونقول بعد ذلك ثانيا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة فالعقد استصناع تنطبق عليه أحكامه، وقد صدر بشأن الاستصناع قرار المجمع - يعني - وهو القاضي بالجواز، فإذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب استصناعا فالأمر فيها سهل؛ لأنه نكيف هذا العقد على أنه عقد استصناع، وعقد الاستصناع لا يشترط فيه تسليم الثمن، وقلنا: إن عقد الاستصناع القول الراجح - وهو مذهب الحنفية - أنه جائز ولا يشترط فيه تسليم الثمن، وإن كان على رأي الجمهور أنه لا بد فيه من تسليم رأس المال وإلا لم يصح، لكن قلنا أن القول الصحيح أنه لا يسع الناس إلا هذا القول هو جواز عقد الاستصناع، وبناء على ذلك إذا كان السلع التي يراد توريدها تتطلب صناعة فيكون عقد استصناع ولا يشترط تسليم جميع الثمن، فمثلا إذا كان صاحب المحل اتفق مع المورد على أن يورد له سلعا وهذه السلع سوف تستصنع في الداخل أو في الخارج فهنا يعتبر عقد استصناع، سواء سلم له الثمن كله أو بعضه أو لم يسلم له الثمن لا إشكال في هذا لأنه عقد استصناع لا يشترط فيه تسليم الثمن.

ثالثا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة لا تتطلب صناعة، وهي موصوفة في الذمة يلتزم بتسليمها عند الأجل، فهذا يتم بإحدى طريقتين - إذا اتفق معه على أن يورد له سلعة هذه السلعة لا تتطلب صناعة حتى نكيفها أنها عقد استصناع لا تتطلب صناعة هذا إذن يكون بإحدى طريقتين:

الطريقة الأولى: أن يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فماذا يكون هذا؟ يكون سلما، فهذا عقد يأخذ حكم السلم، فيجوز بشروطه المعتبرة شرعا التي ذكرناها. إذن إذا كان قد عجل له الثمن كاملا يعتبر سلما، ولكن الواقع أن الناس الآن يندر أن أحدا يعجل للمورد الثمن كاملا، بل يقول يعني يعطيه مثلا إما أن يؤجل له الثمن أو يعطيه بعضه لكن أن يعجل له الثمن كاملا هذا قليل في الناس لكن لو قدر هذا فيكون سلما، إذا عجل له كامل الثمن قبل توريد البضاعة فيكون هذا سلما.

الطريقة الثانية: إن لم يعجل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مبني على المواعدة الملزمة بين الطرفين، وهي تشبه العقد نفسه، فيكون ذلك من بيع الكالئ بالكالئ يعني من بيع الدين بالدين، وهذا مع الأسف هو الذي عليه عمل كثير من الناس الآن، وهو الإشكال الذي أشرت إليه في مقدمة هذا الدرس، فتكون السلعة التي يراد توريدها لا تتطلب صناعة، والمستورد لا يعجل الثمن وإنما يؤجل الثمن كله أو بعضه، فهنا ترد هذه الإشكالية فتصبح المسألة من قبيل بيع الدين بالدين، كيف من قبيل بيع الدين بالدين؟ يعني إذا أجل الثمن، أجل المستورد الثمن والبضاعة التي يراد توريدها أيضا مؤجلة، فهذا دين، وهذا دين، وأصبحت المسألة من قبيل بيع الدين بالدين وهو محرم، وهذه إشكالية كبيرة في عقود التوريد، ينبغي التنبه والتبية عليها، أما إذا كانت المواعدة غير ملزمة - وهذا يعتبر مخرجا - أما إذا كانت المواعدة غير ملزمة لأحد الطرفين أو لكليهما فتكون جائزة على أن يتم البيع بعقد جديد أو بالتسليم، إذا كان على سبيل الوعد غير الملزم، فيقول صاحب المحل للمورد صاحب المحل المستورد للمورد يقول: أرغب أن تورد لي السلعة الفلانية -ويذكر مواصفاتها - وأعدك بأنك إذا وردتها سوف أشتريها منك. وعد غير ملزم، هذا لا بأس به، وهذا كما قلنا في درس سابق في بيع المرابح اللي... بالشراء، إذا كانت على سبيل الوعد غير الملزم لا بأس به ، ويعتبر هذا مخرجا لمن أراد أن يتعامل بعقود التوريد، ولكن الصورة الشائعة الآن عند الناس، أنه يتفق مع المورد على أن يورد له سلعة بمواصفات معينة، ويعطيه بعض الثمن، وأحيانا لا يعطيه شيء، فتصبح المسألة من قبيل بيع الكالئ بالكالئ، بيع الدين بالدين، وهي محرمة، طيب ما هو المخرج؟ نقول: إذا كان السلعة مما يستصنع فهذا لا إشكال فيه، إذا كانت مما لا تستصنع فيجعلها عقد سلم، يسلم لك كامل الثمن، وتقول مثلا قليل السلم، ولكن أكثر الناس لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما، طيب إذا كان لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما ليس له إلا مخرج واحد وهو أن يعد هذا المورد وعدا غير ملزم، يقول: إذا وردت لي بهذه السلعة بهذه المواصفات سوف أشتريها منك. فإذا وردها يعقد معه عقدا جديدا، أو يقوم بالسلم، يعني ليس هناك حل إلا بإحدى هاتين الطريقتين، من طريق السلم يشترط لهذا أن يسلم له رأس المال كاملا، أو أنه يكون عن طريق المواعدة غير الملزمة، أما أنه يعقد معه عقدا، أو يكون على سبيل المواعدة الملزمة فإن هذا لا يجوز، وهذا كما ذكرت يقع فيه كثير من أصحاب المحلات، تجد أن كثيرا من أصحاب المحلات يتفقون مع موردين، ويعقدون معهم عقودا ولا يسلمون لهم الثمن، فتكون مثلا من قبيل بيع الدين بالدين، وربما بعضم يقع عن جهل، وبعضهم عن تساهل، فينبغي التنبيه على هذه المسألة، هذا هو حاصل الكلام في عقود التوريد.

ونلاحظ من الأسئلة في الدروس السابقة أن بعض الإخوة يرغب في تلخيص الدرس في آخر كل درس، نستطيع أن نلخص الكلام في عقود التوريد فنقول: عقود التوريد، إذا كان محل عقد التوريد مما يتطلب صناعة، يعني سوف يستصنع، يقوم المورد باستصناعه، فإن هذا يعتبر عقد استصناع، ولا يشترط فيه تسليم الثمن، وهو عقد جائز على القول الراجح من قولي الفقهاء.

إذا كان محل عقد التوريد لا يتطلب صناعة وإنما سوف يقوم المورد بشرائه مثلا، فهذا إن قام المستورد بتسليم رأس المال - يعني الثمن - كاملا مقدما، فهذا يعتبر سلما، لكن بهذا الشرط وهو أن يسلم له رأس المال كاملا، يسلم له الثمن كاملا، فيعتبر هذا سلما، وهو جائز بالإجماع لكن بهذا الشرط، لاحظ أنه أؤكد على هذا الشرط؛ لأن هذا الشرط يفر منه الكثير من الناس من المستوردين، لا يرغب في تسليم رأس المال مقدما، لا يرغب في تقديم الثمن مقدما، أما إذا كانت السلعة مما لا يستصنع، ولم يتم تسليم رأس المال في بداية العقد، فإن هذا لا يجوز، يكون هذا محرما؛ لأنه من قبيل بيع الدين بالدين وهو محرم، من المخارج الشرعية في هذا أن يكون هذا العقد على سبيل الوعد غير الملزم، فيقول المستورد للمورد: أرغب أن تورد لي هذه السلعة بهذه المواصفات، وأعدك وعدا غير ملزم أعدك بأنني سوف أشتريها منك، فهذا يعتبر مخرجا، هذا يعتبر مخرجا شرعيا.

فإذا المخارج الشرعية إما أن يكون عن طريق السلم، أو عن طريق المواعدة غير الملزمة، أما أن يعقد معه عقدا ليس بعقد سلم، فإن هذا محرم ولا يجوز، وهذه الصورة الشائعة، وهي كما ذكرت صورة ممنوعة شرعا؛ لأنها من قبيل بيع الدين بالدين.

ننتقل بعد ذلك إلى عقدين مهمين وهما: عقد المزايدة وعقود المناقصات، الكلام فيهما متقارن، وأيضا تم بحث هذين العقدين في المجمع الفقهي، عقد المناقصات ألحق بعقود التوريد، وعقد المزايدة كان فيه قرار مستقل سابق لهذا القرار.

عقد المزايدة هو من عقود الشارع في الوقت الحاضر، وهو وأيضا من العقود التي بحثت في كتب الفقه، عقد يعني معروف من قديم الزمان، ومعناه: عقد معاوضة يعتمد دعوة الراغبين في المشاركة في المزاد، ويتم عند رضا البائع، فيقال مثلا: إنه سوف تباع السلعة الفلانية أو هذه السلع وتعرض للمزايدة، هذا يزيد وهذا يزيد وهذا يزيد حتى إذا قبل البائع بالثمن أبرم العقد.

والمناقصة: هي طلب الوصول إلى أرخص عطاء لشراء سلعة أو خدمة، تقوم فيها الجهة الطالبة لها تقوم بدعوة الراغبين لتقديم عطاءاتهم وفق شروط ومواصفات محددة، فإذن في عقد المزايدة تجد أن البائع يرغب في أعلى سعر يطرحه من يريد الشراء، بينما في المناقصة نجد أن المشتري أو أن من يطرح هذه المناقصة يرغب في أقل سعر، إذا كانت مثلا في شراء سلع يرغب في أقل سعر يشترى به، إذا كان في خدمة يرغب في أقل سعر للقيام بهذه الخدمة، والمناقصة والمزايدة جائزان شرعا، لكن فقط من الأمور التي نشير إليها هنا والتي ذكرت في قرار المجمع، يعني لا إشكال في جواز المزايدة، وكذلك جواز المناقصة، لا إشكال في جوازهما، لكن هناك بعض المسائل التي لأجلها أوردنا هذين العقدين وتحتاج إلى التنبيه عليهما، وقد وردت هذه الأمور في إقرار المجمع.

طلب رسم الدخول: أحيانا يطلب رسم لمن يريد الدخول في المزايدة أو المناقصة، وهذا الرسم يعتبرونه قيمة دفتر الشروط، فيقول: من أراد الدخول في هذه المزايدة والمناقصة لابد أن يشتري هذا الدفتر، فما حكم شراء هذا الدفتر؟ جاء في إقرار المجمع: لا مانع شرعا من استيفاء رسم الدخول قيمة دفتر الشروط بما لا يزيد عن القيمة الفعلية لكونه ثمنا له.

وقد حصل خلاف - يعني - في حكم استيفاء هذا الرسم ولكن هذا هو القول الأظهر الذي صدر به القرار، أنه يجوز إذا كان في حدود القيمة الفعلية لهذا الدفتر، لأن في المناقصات والمزايدات أحيانا المزايدات، أما المناقصات غالبا لا بد أن يكون فيه دفتر شروط يذكر فيه الموصفات والشروط المطلوبة، ويباع على من يريد الدخول في المناقصة، نقول: إذا كان بقيمتها الفعلية الحقيقية لا بأس بذلك.

وأما طلب الضمان لمن يريد الدخول في المناقصة أو المزايدة فهو جائز شرعا، ولكن يجب أن يرد لكل مشارك لم يرس عليه العطاء، ويحتسب من الثمن لمن فاز بالصفقة، أحيانا بعض الدوائر الحكومية تضع مناقصة؛ إما في شراء سلع أو في خدمة مثلا، ويقولون يشترطون على من أراد الدخول في المناقصة أن يدفع خمسة آلاف ريال أو عشرة الآف ريال أحيانا، فيأتي مجموعة ممن يريد الدخول في هذه المناقصة، ثم ترسو هذه المناقصة على أحدهم، نقول: هذا لا بأس به، لكن بعد ذلك يحتسب هذا الرسم يماثل عشرة آلاف أو خمسة الآف ريال يحتسب من الثمن على من رست عليه هذه الخدمة أو هذا البيع ، ومن لم يرس عليه العطاء يجب أن يرد عليه هذا المبلغ، وإلا كان أخذ مال بغير حق، يكون من قبيل أكل المال بالباطل، وهذه نقطة مهمة يا إخوان؛ لأن كثيرا من المؤسسات والدوائر الحكومية التي تفعل هذه وهي المناقصات، لا يحصل رد المبلغ، وحكم الشرع أنه لا بد من رد المبلغ على من لم يرس عليه العطاء، وإلا كان هذا أخذا للمال بغير حق، فما الذي يبيح مثلا لهذه الجهة أن تأخذ هذه الأموال ممن أراد الدخول في المناقصة؟ ربما يكون الراغبون في الدخول في المناقصة ربما يكون عددا كثيرا...، ومثلا ربما يكون مائة شخص كل واحد منهم بذل خمسة آلاف ريال، فالمبلغ سيكون كبيرا، وربما عشرة آلاف ريال، فما الذي يبيح لهذه الجهة أخذ هذا المبلغ؟ ولهذا نقول: لا بد من أن ترد هذه المبالغ على من لم يرس عليه العطاء، وحتى من فاز بالصفقة يحتسب من الثمن، هذا ما يتعلق بعقود المناقصة والمزايدة، هي كما ذكرت لا إشكال فيها، لكن ترد الإشكالية فقط من جهة أخذ هذه المبالغ ممن يريد أن يتقدم لهذه العقود، ولا ترد عليهم هذه المبالغ فيكون هذا من قبيل أكل المال بالباطل، وهذا لا يجوز، فهذه هي الإشكالية التي ترد في عقود المناقصات وفي عقود المزايدات، ونكتفي بهذا القدر والله تعالى أعلم.

حسن محمود العتمني

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...