اذهب إلى المحتوى

Recommended Posts

بتاريخ:

" المصيبة التي لا تـقـتـلنـي تجعلني أكثر قوة "

لو جاز لنا أن نشبه الفائدة المعنوية بشيء مادي لقلنا إن حكمة الفلاسفة والمفكرين تشبه تلك الأدوية، التي يتناولها الإنسان فتعطيه الشفاء، أو تعطيه القوة، أو تعطيه المناعة، وهي عادة تكون في جرعات قليلة، أو في حبيبات صغيرة، أودع فيها الطب خلاصة تجارب بدأت قبل آلاف السنين، واستمرت إلى يومنا هذا, وأثمرت تلك الأدوية التي بين أيدينا، وفيها علاج لمعظم أدواء البشرية.

هكذا هي تجارب الفلاسفة والحكماء، فيها عصارة الفكر، وفيها بسط لقوانين الطبيعة، ولعلاقات الناس بها وعلاقاتهم بأمثالهم، وفيها نظرة صائبة إلى الحياة بخيرها وشرها، وهي نظرة متبصرة لا تخفى عليها الأمور التي تخفى على الجاهل أو الغر قليل التجربة، وهي نظرة علوية كنظرة الصقر اللماح, الذي لا تفوته حركة صغيرة على سطح الأرض تحته، وتجربة العاقل التي يصوغها في حكمة أو قول، هي تلخيص لعلم غزير، أفاض على صاحبه الفهم السليم، والقدرة على تصريف الأمور وحسن التعامل معها، لذلك كانت أقوالهم كنوزا على صفحات الكتب، معروضة لمن شاء أن يأخذ منها ما شاء.

وطبيعة الحياة ألا تسير حسب مشيئة الإنسان أو رغبته، فهو يخطط ويرسم للأيام مسيرا يوافق هواه، والأيام تسير في أمورها باتجاه قد يوافق هواه وقد يخالفه وقد يناقضه، وقد عبر عن ذلك الشاعر فقال:

مــا كــل مــا يتمنــــى المــــرء يـــدركه تجـري الرياح بما لا تشتهي السفن و كل أمر لا نتوقعه، يكون أشد على نفوسنا، ونعتبره من المصائب والنكبات وليس من العار أن نتعرض للنكبات بل علينا مواجهتها وتحديدها بقوة ومقاومتها للتغلب عليها، ولكن العار هو أن تحولنا النكبات من أشخاص أقوياء إلى أشخاص ضعفاء لا نستطيع مواجهتها أو التغلب عليها.

إن كل مصيبة هي في حقيقتها تجربة، يمكن الاستفادة منها، وأول استفادة تكون في تجنب أسبابها، بحيث لا يقع فيها الإنسان مرة ثانية، وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حث المؤمنين على الاستفادة من الخطأ بحيث لا يتكرر فقال: " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فالذي يلدغ من جحر مرتين هو ذلك الغافل الذي لم يستفد من تجربته، فالمصيبة إذن يمكن أن تنعكس على صاحبها خبرة وقوة، وبذلك يصبح أقدر على مواجهة الصعاب، وأقوى في الوقوف أمامها.

وعندما قال أحد الفلاسفة: " المصيبة التي لا تقتلني تجعلي أكثر قوة " بين لنا أنه يستفيد من كل مصيبة تمر به، والمصيبة العظمى التي تقتله هي الوحيدة التي لا يستفيد منها.

إن الحياة مدرسة مفتوحة، لا تفتأ تلقي علينا الدرس تلو الدرس، فمن أخفق في درس فعليه أن يتجنب عوامل الإخفاق في درس تال، فإذا استطاع ألا يقع في الخطأ الواحد مرتين، كان ناجحا ولاشك، وإذا استفاد من جميع مصائبه، أصبح أكثر قوة، وأقدر على حياة من طبيعتها أل تهادن الإنسان، فهي في حرب معه، فإن تعلم قيادتها استطاع أن يخرج من معاركها جميعا يحمل راية النصر، مكللا بالغار، حاملا أسباب قوة تضاف إلى قوته.

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...