البحث في الموقع
عرض النتائج للدليل 'المعاصرة'.
-
كتاب المشاكل المحاسبية المعاصرة تطبيق نظري وعملي 2022م رابط تحميل كتاب المشاكل المحاسبية المعاصرة تطبيق نظري وعملي 2022م https://accountancy4all.blogspot.com/2023/03/problems.html
-
تطرح الإدارة المعاصرة منهجية جديدة تختلف عما تطرحه الإدارة التقليدية. فهي ترى أن هناك حاجة للتعرف على مجريات الأحداث في ساحة العمل في الخارج، كما تبحث في أثر تلك المستجدات على بيئة عمل المؤسسة. فيما يلي بعض المتغيرات الدولية: < تزايد الجنس البشري والتفاوت بين مستويات معيشتهم < ثورة العلوم و التقنية وأثرها على مختلف مجالات الحياة < التغير في ميزان القوى وانتشار الأسلحة والإرهاب والحروب المختلفة وخصوصا (العرقية والطائفية) < التداعيات الثقافية والفكرية وأثرها على الفرد والمجتمع < نمو المطالبات بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة ومنظمات المجتمع المدني < نمو الاتجاه نحو الاهتمام بالصحة والغذاء والرشاقة والجمال < أجندة النظام العالمي الجديد < تغير طبيعة دور الدولة < هيمنة وسائل الإعلام < تزايد الاهتمام بالاستثمار المعرفي وبروز رساميل جديدة (الفكري والبنيوي بالإضافة إلى رأس المال المالي) الأطر الفكرية لإدارة العمل المعاصر: أولا: التغيير حقيقة ثابتة - ثانيا: العصور الجديدة تستدعي مؤسسات جديدة - ثالثا: المؤسسات الجديدة تستدعي قيادات جديدة - رابعا: إلى أين نتجه (تحديد المسار) - خامسا: المعرفة أداة التميز والإبداع مرتكزات الإدارة المعاصرة: أولا: الفكر (التفكير): ويقوم هذا العنصر على مدلول مفاده: أن أي عمل يراد تنفيذه، يحتاج منا إلى وقفة للتأمل والدراسة للتعرف على أهدافه وغاياته ودور العنصر البشري في إنزاله على أرض الواقع. كما يقوم على ربط هذا العمل بأهداف المؤسسة وعلاقتها بالمجتمع وما هي النتائج التي سيتم التوصل إليها. ومع تطور التقنية والتكنولوجيا أصبح يمكن أن نتخيل شكل المنتج أو طبيعة الخدمة التي سوف يتم تقديمها قبل تنفيذها. وذلك من خلال نظام المحاكاة Simulation . إن من أهم الأمور لأي مسئول هو أن يطرح الأسئلة التالية التي تساعده على إنضاج عملية التفكير: < لماذا نقوم بهذا العمل؟ < لماذا هذا الأسلوب؟ < ما هي البدائل؟ < ما هي التكاليف؟ < لماذا هي مرتفعة؟ < من يؤدي نفس العمل بصورة أفضل و أرخص؟ < ما الذي يجري في العالم من حولنا وما أثره الايجابي والسلبي على المؤسسة؟ < ولكن المهم أن يقوم العاملون بمشاركة المسئول في عملية التفكير والمساهمة في الحد من معوقات تنفيذ العمل. ومن المهم كذلك الإشارة إلى أن المشكلة تكمن في أن المسئولين يديرون أعمالهم في ضوء ظروف الأمس. وذلك لان خبراتهم ونجاحاتهم قد تحققت بالأمس. ولكن الإدارة بحق يجب أن تكون في ظل ظروف المستقبل وليس الماضي. فالمستقبل يختص بما يجب عمله وليس بما تم عمله. ثانيا: التغيير: انه الحقيقة الثابتة في الحياة فكل شيء. وطالما هو حقيقة ... فلماذا لا يرحب به الأفراد (مرؤوسين ورؤساء). لماذا يقابل المسئولين التغيير بشيء من السلبية؟ يقول المثل القديم (إذا أردت أن يكون لك أعداء ... فحاول تغيير شيء ما). الإجابة على هذا السؤال تكمن في: الخوف من المجهول ? الخوف من الفشل ? الخوف من المغامرة ? الميل للامان ? حب الاستقرار ? الخوف على المصالح و المكتسبات... الخ. الأسباب التي تجعل الأفراد يكرهون مبدأ التغيير: الشك ? المخاطرة ? التعود - الخوف -فقدان البروز الاجتماعي عناصر نجاح التغيير 1. ربط عملية التغيير بوجدان العاملين . 2. يجب على قائد التغيير الوعي أن الفشل في إحداث التغيير أخطر وأسوء في نتائجه على بيئة العمل وانعكاساته مقارنه بالوضع قبل البدء بعملية التغيير . 3. عند إحداث التغيير يكون لزاما على إدارة المؤسسة عدم العودة والخوض فيما كان عليه الوضع في السابق قبل إحداث التغيير . 4. أهمية وجود رؤية تحدد سبب القيام بذلك التغيير . ثالثا: التنفيذ (التشغيل): و تتعلق بعملية تحويل الأهداف إلى برامج عمل تنفيذية. بقلم: د. نوري بشير مبارك مجلة المستثمرين
-
خطاب الضمان خطاب الضمان تنشأ الحاجة إليه عند الدخول في مناقصات ونحوها للقيام بأعمال معينة، كتنفيذ مشاريع مثلا، أو تأمين أشياء، فتقوم الجهات الطالبة لذلك بطلب خطاب ضمان من المتقدم للدخول في تلك المناقصات، فمثلا تشترط الدوائر الحكومية لمن يريد الدخول في مناقصة تنفيذ مشروع معين، أو تأمين أشياء معينة، يقولون: من يريد الدخول في هذه المناقصة لا بد أن يأتي بخطاب ضمان. خطاب الضمان هذا تصدره البنوك، والغرض من طلب خطاب الضمان هذا من الجهات الطالبة له كالدوائر الحكومية مثلا أولا يكون هذا الخطاب بمثابة التأمين في حالة التخلف عن إنجاز هذه المشاريع، فيخصم عليه منها، وأيضا من فوائد خطاب الضمان هذا ضمان جدية عرض كل مَن يريد الدخول في المناقصة، بأن يكون إنسانا جادا، ليس إنسانا متلاعبا أو يريد أن يجرب. وأيضا من فوائد طلب خطاب الضمان عدم التورط في خسائر وديون في حالة رسو العملية على هذا المتقدم، فيكون خطاب الضمان هذا بمثابة التأمين لهذا الشخص المتقدم للدخول في هذه المناقصة، فكأن هذه الجهات الطالبة لخطاب الضمان كالدوائر الحكومية مثلا تقول لمن يريد الدخول في هذه المناقصة: أعطونا تأمينا، لكن بدل ما يطلبوا التأمين نقدا يطلبوه عن طريق هذا الخطاب الذي تصدره البنوك. ولهذا ممكن أن نعرف خطاب الضمان بأنه تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد في ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام طالب الضمان بالتزامات معينة تجاه المستفيد. إذن هو تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد بذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام طالب الضمان بالتزامات معينة تجاه المستفيد. يعني هو يشبه التأمين، كأن البنك يقول: نحن نلتزم بأن ندفع لهذه الجهة يعني في حدود قيمة خطاب الضمان هذا عند مثلا عدم تنفيذ المطلوب منه، أو عند الخصم عليه، ونحو ذلك. خطاب الضمان هذا إما أن يكون بغطاء أو بدون غطاء، إذا كان بغطاء معنى ذلك أن طالب خطاب الضمان له رصيد يغطي قيمة خطاب الضمان هذا، يعني لو كان خطاب الضمان هذا مثلا مائة ألف ريال قيمته، وهذا فيه رصيده مائة ألف ريال أو تزيد، هذا يقال: إنه يعني له غطاء، لكن لو كان مثلا هذا الذي يريد الدخول في مناقصة طلب منه خطاب ضمان، خطاب الضمان هذا قيمته مائة ألف ريال رصيده عشرة آلاف ريال، لكن البنك لا مانع لديه ثقة في هذا العميل أن يعطيه خطاب ضمان بمائة ألف ريال، فهذا يعتبر خطاب ضمان بدون غطاء. والتكييف الفقهي لخطاب الضمان إذا كان بغطاء فإن العلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مُصْدِره الذي هو البنك هي الوَكالة، إذا كان بغطاء فالعلاقة هي الوكالة، كأن هذا الشخص يقول للبنك: وكلتك في أن تصدر لي هذا الخطاب بهذه الطريقة، والوكالة تصح بأجر وبدون أجر. ولذلك لو يعني أخذ البنك عمولة على هذا الخطاب فلا إشكال فيها. أما إذا كان خطاب الضمان بدون غطاء فالتكييف الفقهي له أنه ضمان أو كفالة، فكأن هذا البنك يضمن هذا الشخص الذي يريد الدخول في مناقصة، يضمنه أمام الجهة الحكومية مثلا، والبنك عندما يصدر خطاب الضمان لا يصدره مجانا، وإنما يتقاضى عمولة عليه، والإشكال هنا في هذه العمولة، يعني إصدار خطاب الضمان ليس فيه إشكال إلا من جهة العمولة التي يأخذها البنك عليه. نقول: هذه العمولة ما كان منها مصاريف يأخذها البنك مقابل خدمات فعلية حقيقية فإنه لا بأس بها ولا إشكال فيها. أما أخذ العمولة مقابل إصدار خطاب الضمان فإنها لا تجوز لأن أخذ مقابل على الضمان محرم شرعا فالضمان من عقود الإرفاق والإحسان ولذلك لا يجوز أخذ عوض مقابل الضمان يقول شخص لآخر اضمني ولك ألف هذا لا يجوز محرم لأنه من عقود الإحسان والإرفاق كالقرض لا يجوز أخذ مقابل عليه ولا عوض عليه واتفقت المذاهب الأربعة على هذا الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وبهذا نعرف أن نظرة الإسلام لضمان تختلف عن نظرة البنوك للضمان فالإسلام ينظر للضمان كما ينظر للقرض على أنه من عقود الإرفاق والإحسان بينما البنوك للضمان تنظر على أنه من وسائل الكسب والاستثمار وهنا ترد الإشكالية ولذلك نقول لا يجوز أخذ عوض من البنك على خطاب الضمان هذا أما إذا كان بدون غطاء فهو ظاهر لأنا نقول في التكييف الفقهي أن العلاقة علاقة ضمان أما إذا كان بغطاء فهل يجوز أخذ عمولة على خطاب الضمان نقول ما كان مقابل مصاريف إدارية لا إشكال فيه ما زاد على ذلك لا يجوز حتى لو كان بغطاء لأنه وإن كانت العلاقة بينهما علاقة وكالة إلا إنه تبقي علاقة الكفالة أيضا فهو وكيل وكفيل في نفس الوقت البنك وكيل وكفيل في نفس الوقت ولهذا ليس للبنك على أن يأخذ على خطاب الضمان سوى الخدمات والمصاريف الإدارية فقط وصدر في هذا قرار من المجمع الفقهي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي وجاء فيه أن خطاب الضمان بأنواعه ما كان بغطاء وبدون غطاء فإن كان بدون غطاء فهو ضم ذمة الضامن إلي غيره فيما يلزم حالا أو مآلا وهذه هي حقيقة ما يعنى في الفقه الإسلامي باسم الضمان أو الكفالة، وإن كان خطاب الضمان بغطاء، فالعلاقة بين طالب خطاب الضمان وبين مصدره الوكالة، والوكالة تصح بأجر أو بدونه مع بقاء علاقة الكفالة لصالح المستفيد؛ المكفول له. ثانيا: أن الكفالة هي عقد تبرع، يقصد به الإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، وذلك ممنوع شرعا. ثالثا: خطاب الضمان لا يجوز أخذ الأجر عليه لقاء عملية الضمان، والتي يراعى عادة فيها مبلغ الضمان ومدته، سواء كان بغطاء أو بدون غطاء، إذا لا يجوز أخذ عمولة على خطاب الضمان، سواء كان بغطاء أو بدون غطاء، أيضا جاء في القرار أن المصاريف الإدارية لإصدار خطاب الضمان بنوعيه الجائزة شرعا مع مراعاة عدم الزيادة على أجر المثل، وفي حالة تقديم غطاء كلي أو جزئي يجوز أن يراعى في تقدير المصاريف لإصدار خطاب الضمان ما قد تتطلبه المهمة الفعلية لأداء ذلك الغطاء، يعني ما كان مقابل مصاريف إدارية وخدمات فعلية حقيقية لا بأس. ما كان مقابل الضمان لا يجوز، ولكن هنا ينبغي أن نتأكد من أن تكون المصاريف والخدمات الفعلية حقيقية، ولا تكون غطاء؛ لأن أيضا ربما إذا قلنا مثل هذا الكلام، كل البنوك ستقول العمولة نأخذها مقابل خدمات ومصاريف، فلا بد أن تكون مقابل مصاريف وخدمات فعلية حقيقية، فإذا خلاصة الكلام في خطاب الضمان أنه لا يجوز أخذ عمولة من البنك عليه سواء كان بغطاء أو بدون غطاء، ويجوز أخذ ما كان مقابل مصاريف وخدمات فعلية حقيقية، وهذه نبذه مختصرة عن هذا الموضوع.
-
التأمين والتأمين معناه أو تعريفه: نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة أو التبرع، يعني التأمين بأنواعه نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة أو التبرع أو مختلطا منهما، يلتزم فيه طرف لآخر بتعويض نقدي يدفعه له عند حصول حادث ونحوه، عند تحقق حادث ونحوه. وقد أصبح هذا المصطلح معروفا وشائعا، بل ومطبقا في جميع دول العالم. وينقسم إلى قسمين: تأمين تعاوني ويسمى: تبادلي وتأمين تجاري. ولم يكن التأمين بوضعه المعروف الآن موجودا عند الفقهاء المتقدمين، ولهذا اعتبر من النوازل في هذا العصر، وإن كان ابن عابدين قد أشار إلى بعض أنواعه في حاشيته: رد المحتار على الدر المختار، ولكن عند الفقهاء المتقدمين لا يوجد له ذِكْر، ومن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكمه، فبعض أهل العلم ذهب إلى الجواز مطلقا، إلى أن التأمين جائز بجميع أنواعه، سواء كان تجاريا أو تعاونيا، ومن أبرز مَن ذهب إلى هذا الرأي الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله. وجميع الذين أفتوا بالجواز هم عالة عليه، بل إن مصطفى الزرقا هو أول من أفتى بجواز التأمين مطلقا، وكل الذين أفتوا بعده بالجواز هم عالة عليه، ويرددون فقط أدلته، وله كتاب مطبوع منشور ذَكَرَ وجهتَه في هذا. والقول الثاني عدم جواز التأمين مطلقا، سواء كان تجاريا أو تعاونيا، قال به بعض أهل العلم، وإن كانوا قلة، ولذلك بعضهم يعتبر أن القول بمنع التأمين التعاوني أنه شاذ، ويَحكي الاتفاق على جواز التأمين التعاوني. والقول الثالث تحريم التأمين التجاري وجواز التأمين التعاوني. القول الثالث فيه تفصيل، فيحرم التأمين التجاري ويجوز التأمين التعاوني، وهذا القول هو قول أكثر العلماء المعاصرين، وقد اتفق على هذا القول المجامع الفقهية: مجمع الرابطة؛ المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكذلك أيضا مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهيئة كبار العلماء، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، كلها متفقة على هذا الرأي، والتفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، فيحرم التأمين التجاري ويجوز التأمين التعاوني. ونأتي الأدلة، نبدأ بأدلة تحريم التأمين التجاري، نبدأ بالقول الثالث فنقول: التأمين التجاري محرَّم؛ وذلك لِما يأتي: أولا: اشتماله على الغرر الفاحش، فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية المشتملة على الغرر، فالمستأمِن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد ما له وما عليه، ومقدار ما يأخذ ويعطي، فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم يحصل له الحادث، فيأخذ أكثر مما دفع، وقد لا يحصل له حادث أصلا فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئا. وكذلك أيضا بالنسبة للمؤمِّن، لا يعرف ما له وما عليه، فقد يربح كثيرا في علاقته مع هذا المستأمِن، وقد يخسر، ولا شك أن الغرر فيه ظاهر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر كما في صحيح مسلم. أيضا من أدلة تحريم التأمين التجاري أنه من ضروب المقامرة؛ لِما فيه من المخاطرة في المعاوضات المالية، فإن المستأمِن قد يدفع قسطا من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم له المؤمِّن كل مبلغ التأمين، وقد لا يقع الخطر فيغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل، وهذا من ضروب المقامرة. ثالثا: - أن عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة؛ لأن المؤمن من الشركة ونحوها إذا دفعت للمستأمن أكثر مما دفعه لها من النقود فيكون ربا فضل؛ لأنه مال بمال مع التفاضل، وهذا الدفع إنما يحصل بعد مدة من العقد، فيكون ربا نسيئة، وإذا قُدِّر أن الشركة دفعت لهذا المستأمن مثلما دفع من غير زيادة ولا نقصان فيكون فيه ربا نسيئة فقط. أيضا مما اشتمل عليه هذا العقد من المحاذير أنه من الرهان المحرم، أن عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم؛ لأن فيه جهالة وغرر ومقامرة، ومعلوم أن الشرع لم يبح من الرهان إلا ما كان فيه نصرة لإعلام الإسلام وأدلته وبرهانيه. كما مر معنا هذا في درس سابق. وكذلك أيضا إذا كان في الإبل والخيل والسهام، لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر . أيضا عقد التأمين التجاري فيه أخذ للمال بغير مقابل، وهو محرم، أخذ المال بدون مقابل محرم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ . هذه هي وجوه تحريم التأمين التجاري وأما التأمين التعاوني فإنه يبذل على وجه التكافل والتعاون وليس على وجه المعاوضة وطلب الربح، وما كان كذلك فإن الشريعة تجيزه، ويدل لذلك قصة الأشعريين، أو حديث الأشعريين، الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا أصابتهم نائبة من نوائب الدهر، إذا أصابتهم نائبة وشدة وحاجة جمعوا ما عندهم وتقاسموه، وهذا نوع من أنواع .. وهذا في الحقيقة هو شبيه بالتأمين التعاوني. وأيضا العاقلة في الإسلام هي أيضا بمثابة أو شبيهة بالتأمين التعاوني، العاقلة، ما معنى العاقلة؟ يعني إذا تسبب الإنسان في قتل خطأ أو شبه عمد فإن عاقلته يعني قرابته من جهة العصوبة هي التي تدفع عنه الدية، ملزمة شرعا بأن تدفع عنه الدية، جبرا ليس اختيارا، فكل واحد .. يعني فإذا اجتمعت هذه العاقلة ودفعت الدية كل واحد من العاقلة قد يحتاج لمثل هذا، فيشبه أن يكون هذا يعني مثل التأمين التعاوني. ثم أيضا إذا نظرنا إلى قاعدة الشريعة نجد أن الشريعة تتسامح فيما كان مبنيا على الإرفاق والإحسان والتكافل والتعاون. وعلى سبيل المثال القرض، فإن صورة القرض في الأصل صورة ربوية؛ لأنها معاوضة مال بمال مع عدم التقابض، ولكن الإسلام أجاز هذه الصورة إذا كانت مبنية على الإرفاق والتكافل والإحسان، وهو القرض، ولذلك إذا أصبح القرض يراد به الربح والمنفعة والعوض رجع لصورته في الأصل فكان محرما. فنعرف من هنا أن قاعدة الشريعة التسامح فيما كان مبنيا على التكافل والتعاون، فنجد أن الشريعة أجازت هذه الصورة، مع أنها في الأصل صورة ربوية، القرض في الأصل صورة ربوية، ولكن الشريعة أجازتها تشجيعا للمجتمع المسلم على التكافل والتعاون فيما بينهم. ولذلك فهناك فرق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، هذه هي وجهة إذن أصحاب هذا القول. وأما من أجاز التأمين التجاري فمن أبرز أدلتهم في هذا: أولا: أن التأمين فيه مصلحة كبيرة، وما يوجد فيه من الغرر مغتفر بجانب المصلحة الكبيرة؛ فإن بعض العقود أجازتها الشريعة مع أن فيها غررا لما يترتب عليها من المصالح الكبيرة، كالجعالة مثلا، فإن الجعالة فيها غرر وجهالة، ولكن الشريعة أجازتها لما فيها من المصلحة. قالوا: فكذلك التأمين فيه مصلحة كبيرة، والدليل على ذلك اتفاق جميع دول العالم على الأخذ بهذا النظام، مما يدل على أن جميع العقلاء يرون أن فيه مصلحة. وأجيب عن هذا بأن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن مصالح الشرع على ثلاثة أقسام: قسم شهد الشرع باعتباره، فهو حجة. وقسم سكت عنه الشرع فلم يشهد له باعتبار ولا بإلغاء، فهو مصلحة مرسلة، وهو محل اجتهاد. والقسم الثالث ما شهد الشرع بإلغائه. وعقود التأمين فيها محاذير شرعية ذكرت في أدلة القول الأول، فتكون من القسم الثالث، تكون مما شهد الشرع بإلغائه؛ لغلبة جانب المفسدة على جانب المصلحة. الدليل الثاني من أدلة القائلين بالجواز: قياس نظام التأمين التجاري على العاقلة، وقالوا: العاقلة ضرب من ضروب التأمين. إذا كانت العاقلة تجوز فالتأمين مطلقا يجوز ولا نخصه بالتأمين التعاوني. وأجيب عن هذا الاستدلال بأن هذا القياس قياس مع الفارق؛ لأن الأصل في تحمل العاقلة للدية لما يكون بين أفراد العاقلة من الرَّحِم والقرابة التي تدعو إلى النصرة والتواصل والتعاون وبَذْل المعروف، ولو بدون مقابل، فهي إذن مبنية على التكافل والتعاون بين أفراد العاقلة، وليست مبنية على الربحية والمعاوضة، بينما عقود التأمين عقود تجارية استغلالية تقوم على معاوضات مالية محضة، ولا تمت إلى عاطفة الإحسان وبواعث الرحمة والمعروف بصلة. فرق كبير بين العاقلة وبين عقود التأمين التجارية؛ وبهذا لا يستقيم هذا الاستدلال. أيضا من أبرز أدلة القائلين بالجواز قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد، قالوا: فإذا منعتم التأمين التجاري تقولون إذن بتحريم التقاعد، تقولون بتحريم معاشات التقاعد؛ لأن التقاعد ضرب من ضروب التأمين، فإنه يؤخذ من الموظف كل شهر قسط ثم يسلم له بعد تقاعده، وقد يحصل على أكثر مما بذل، وقد يحصل على أقل، قالوا في نظام التقاعد: هو من ضروب التأمين، فيلزمكم أنتم إذا قلتم - يعني أيها الجمهور - إذا قلتم بتحريم التأمين التجاري أن تقولوا أيضا بتحريم نظام التقاعد. ولكن هذا الاستدلال أيضا محل نظر؛ لأن هذا القياس قياس مع الفارق؛ لأن ما يعطى الموظف بعد التقاعد حق التزم به ولي الأمر، باعتباره مسئولا عن رعيته، وراعى في صرفه ما قام به الموظف من عمل وخدمة، ووضع فيه نظاما راعى فيه مصلحة أقرب الناس للموظف أيضا، ونظر فيه إلى مظِنة الحاجة. وثم أيضا إن التقاعد تتبرع الدولة بنصف المبلغ، يعني يستقطع من الموظف نصف المبلغ، والدولة تتبرع بنصف المبلغ الآخر، فليست معاوضة مالية محضة، وإنما هو حق التزمت به الدولة تجاه موظفيها. وهذا بخلاف التأمين التجاري الذي يقوم على المعاوضة المحضة، وتريد أو تقصد منه الشركات الحصولَ على الأرباح والكَسْب، ففرق بينهما، ولذلك لا يصح مثل هذا القياس. ثم إن الموظف إذا أراد تصفية حقوقه قبل بلوغه سن التقاعد، تصفى له كامل حقوقه، ويعطى ما اقتطع منه، ولكنه إذا بقي إلى انتهاء المدة النظامية، فإنه يعطى ما اقتطع منه وتبرع أيضا من الدولة لهذا الموظف، وإذا توفي فيصرف لورثته بطريقة روعي فيها مسألة احتياج الورثة، فإذن قياس التأمين التجاري على نظام التقاعد قياس مع الفارق. أيضا من أدلة القائلين بالجواز قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة، قالوا: فكما أنك إذا استأجرت لك حارسا يحرس البيت أو الطريق، فإنك تعطيه مالا مقابل الأمان، فإن هذا الحارس إنما فقط استفدت منه الأمان، هكذا أيضا في عقود التأمين التجاري تستفيد ببذل هذا المال الذي تدفعه للشركة الأمان، عندما يحصل لك حادث ونحوه. فإذا جاز بذل المال على عقود الحراسة لأجل الأمان فيجوز بذل المال لشركات التأمين لأجل الأمان. ولكن هذا القياس أيضا قياس مع الفارق؛ فإن الأمان ليس محلا للعقد في المسألتين، وإنما محله في التأمين الأقساط. ومبلغ التأمين ومحله في الحراسة الأجرة وعمل الحارس، هذا هو محل العقد: الأجرة وعمل الحارس، وأما الأمان فليس محلا للعقد، وإنما هو غاية ونتيجة، ولو قلنا: إن الأمان هو محل العقد لما استحق الحارس الأجرة عند ضياع المحروس، والواقع أن الحارس يستحق الأجرة مطلقا، وهذا يدل على أن الأمان ليس هو محل العقد في المسألتين جميعا؛ في مسألة التأمين ليس محل العقد وإنما محله الأقساط ومبلغ التأمين، وفي مسألة الحراسة أيضا محل العقد ليس هو الأمان وإنما هو الأجرة وعمل الحارس. هذه هي أبرز أدلة من قال بالجواز، وكما ترون أدلة لا تستقيم، وهذه الأدلة كلها ذكرها الشيخ مصطفى الزرقا في كتابه التأمين وتناقلها من بعده ممن قال بالجواز. وبهذا يتبين القول الراجح في هذه المسألة والله أعلم، وما عليه جمهور العلماء المعاصرين، وهو التفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، يكون التأمين التجاري محرما والتأمين التعاوني جائزا. والتأمين التعاوني من أبرز صوره ما يسمى بصناديق الأسر والعوائد، فيوضع مثلا صندوق لأسرة من الأسر ...وقام أراد يتبرع لهذا الصندوق بقسط شهري أو سنوي، وإذا حصل لأي واحد من أفراد الأسرة حادث أو مثلا حاجة ملحة أو نحو ذلك أخذ منه. هذا يعتبر من صور التأمين التعاوني، ولا بأس به. أما التأمين الذي تمارسه الشركات الآن فهو في جملته تأمين تجاري وليس تعاونيا، وإن سَمَّوْه تأمينا تعاونيا؛ لأنه حتى يكون تأمينا تعاونيا لا بد أن يقصد به التعاون والتكافل، والواقع أن هذه الشركات ما قامت أساسا إلا لأجل طلب الربح والكسب، ولذلك فإنها بعيدة عن تحقيق التأمين التعاوني. ولكن وجود مثل الشركات التي تحقق التأمين التعاوني ليس مستحيلا، ومع الأسف وجد في بلاد الغرب شركات تحقق التأمين التعاوني، وكان الأجدر أن توجد في بلاد المسلمين، لكن الشركات الموجودة لدينا الآن هي في جملتها تقوم على التأمين التجاري وليس التأمين التعاوني، ويفترض إذا قامت الشركة بالتأمين التعاوني أن تقوم فقط بإدارة أقساط التأمين، ولذلك التسمية الدقيقة لها أن نقول: شركات إدارة تأمين، ليست شركات تأمين، إدارة تأمين، فهي تأخذ إدارة الشركة فقط الأجرة على إدارة هذه الأقساط مقابل أتعاب فقط، إما أجرة ثابتة أو يعني بنسبة من الأقساط، لكن أنها تأخذ الأموال من هؤلاء المستأمنين ولا تعيدها لهم وتتملكها وتعتبرها وسيلة من وسائل الكسب والربح هذا هو التأمين التجاري، لكن لو وجدت شركة هي فقط تأخذ مقابل أتعابها، وأما أقساط التأمين فهي تعمل فيها وتستثمرها لصالح هؤلاء المستأمنين، فهذا هو التأمين التجاري، فتكون إدارة الشركة إنما فقط تدير هذه الأقساط. والأكمل في هذا والأحسن ألا تُرجع الأقساط إلى المستأمنين، وأن تخلص منها شائبة المعاوضة المالية قدر المستطاع؛ لأنها إذا أُعيدت .. أُعيد الفائض إلى المستأمنين أصبح فيها معاوضة، فأكمل درجات صور التأمين التعاوني هو مثلما ذكرت ما تمثله صناديق الأسر والعوائد، بحيث لا تعاد الأقساط إلى المستأمنين، وإنما تستثمرها إدارة الشركة وتخفض الأقساط في المستقبل على هؤلاء، ويكون هذا .. هذه الأموال تستثمر لهؤلاء الذين بذلوا أموالهم على سبيل التكافل والتعاون فيما بينهم، وليس على سبيل يعني الربح والمعاوضة. ولكن لو أعيد لهؤلاء المستأمنين بعض الأموال الفائضة فأيضا تكون من صور التأمين التعاوني إذا كانت الشركة إنما فقط تديرها إدارة، ولكن تبقى فيها شائبة المعاوضة، ونحن نقول: إن التأمين التعاوني كلما تخلصنا من شائبة المعاوضة كلما كان أكمل وأحسن؛ لأنه كما ذكرنا يقوم على الإرفاق والتكافل، ولا يقوم على المعاوضة وطلب الربح والكسب. كما ذكرت الشركات في جملتها الآن الموجودة تمارس التأمين التجاري وليس التأمين التعاوني، ولكن مع الأسف أن بعض الشركات مع ممارستها للتأمين التجاري وتسميتها له بالتأمين التعاوني استغلت فتاوى العلماء للتغرير بالناس، فعلى سبيل المثال شركة من الشركات الكبرى في التأمين علقت فتوى هيئة كبار العلماء في التأمين التعاوني في مدخل الشركة وقالت: إنها تسير على هذه الفتيا، وقد نقل هذا إلى مشايخنا في دار الإفتاء في وقت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وأصدروا في هذا بيانا، هذا البيان موقع من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وسماحة المفتي العام الآن الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ عبد الله الغديان والشيخ صالح الفوزان والشيخ بكر أبو زيد، وجاء في هذا البيان: سبق أن صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بتحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه لما فيه من الضرر. .. إلى آخره، كما صدر قرار من هيئة العلماء بجواز التأمين التعاوني، وهو الذي يكون من تبرعات المحسنين ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب، ولا يعود منه شيء للمشتركين؛ لا رءوس أموال ولا أرباح ولا أي عائد استثماري؛ لأن قصد المشترك ثواب الله سبحانه. وهذا واضح لا إشكال فيه، ولكن ظهر في الآونة الأخيرة من بعض المؤسسات والشركات تلبيس على الناس، وقلب للحقائق، حيث سموا التأمين التجاري المحرم تأمينا تعاونيا، ونسبوا القول بإباحته إلى هيئة كبار العلماء؛ من أجل التغرير بالناس والدعاية لشركاتهم. وهيئة كبار العلماء بريئة من هذا العمل كل البراءة؛ لأن قرارها واضح في التفريق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني، وتغيير الاسم لا يغير الحقيقة، ولأجل البيان للناس وكشف التلبيس ودحض الكذب والافتراء صدر هذا البيان. المفتي العام / سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. وعليه توقيع أعضاء اللجنة. فهذا البيان صدر لأجل كشف هذا التلبيس الذي مارسته هذه الشركات، تمارس التأمين التجاري وتسميه التعاوني وتنسبه لهيئة كبار العلماء، وتغرر بالعامة، العامة ما يفرقون، يأتي وينظر إلى هذا القرار أو الفتوى ما يفرق، ما عنده يعني مجال للتدقيق والتأكد. فينبغي يا إخوان التنبه والتنبيه على هذا، ونأمل أنه توجد في المستقبل إن شاء الله شركات للتأمين التعاوني، وهذا يحتاج في الحقيقة إلى فقهاء يقومون بصياغة نظام الشركة من الأساس حتى يكون تأمينا تعاونيا، أما أن الشركة تقوم ثم تريد أن تحول هذا التأمين إلى تأمين تعاوني، فهذا يكون صعبا؛ لأنه إذا قامت الشركة قامت على أساس طلب الربح والكسب، وهذا لا يتفق مع طبيعة التأمين التعاوني، التأمين التعاوني قائم على التكافل والإرفاق، فإذا قامت الشركة وهدفها الأساسي الكسب والربح هنا ترد الإشكالية. والواقع أن الأنظمة التي صدرت من ولي الأمر هي بالتأمين التعاوني، فمثلا التأمين على السيارة الذي صدر بقرار مجلس الوزراء بتاريخ الثاني عشر من شهر شعبان 1428 هـ، جاء فيه الإلزام بالتأمين التعاوني تجاه الغير على رخص السائقين، وأيضا جاء في لائحة التأمين التي صدرت أن التأمين يكون تأمينا تعاونيا ومتوافقا مع الشريعة الإسلامية. فالأنظمة كلها تنص على أن التأمين تعاوني، حتى التأمين الصحي أيضا منصوص على أنه تأمين تعاوني، فالخلل في التطبيق، وإلى الأنظمة كلها على التأمين التعاوني الذي لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهنا أؤكد على ما ذكرته سابقا من أن الأنظمة ليس فيها إشكالية، الأنظمة التي تصاغ ليس فيها إشكالية، مثلا ما ذكرته بالأمس نظام الأوراق التجارية ليس فيه إشكالية، بل فيه مادة: كل ما يتعارض مع الشريعة الإسلامية فهو ملغى، فالأنظمة التي تصاغ تصاغ بطريقة جيدة، ولكن الإشكالية تأتي من جهة التطبيق والتنفيذ، من هذه الحيثية. لكن.. فنجد مثلا هنا قرار مجلس الوزراء واضح في أن الإلزام إنما هو بالتأمين التعاوني وليس التجاري، ولكن المطبق الآن هو التأمين التجاري؛ لعدم وجود شركات تطبق التأمين التعاوني، ولكن نأمل في المستقبل أن توجد وتقوم مثل هذه الشركات، خاصة إذا نشر الوعي بهذا، فإن انتشار الوعي مهم جدا لقيام مثل هذه الشركات، فإذا حصل توعية للمجتمع بمثل هذا فأظن أن هذه الشركات ستقوم في القريب إن شاء الله. ولكن لا بد أيضا من نشر مثل هذا الكلام وتوعية المجتمع بمثل هذا، يعني كما مثَّلنا في الدروس السابقة بالشركات النقية والشركات المختلطة، لما حصل وعي عند المجتمع بهذا أصبحت الشركات النقية في تزايد، هكذا أيضا إذا أصبح وعي بالتأمين التعاوني وأنه هو المتوافق مع الشريعة، بخلاف التأمين التجاري فإنه يعني هذا الوعي ربما يتولد منه قيام هذه الشركات التعاونية. ولكن عندما نريد أن نعالج الآن الوضع القائم، الآن التأمين أصبح إلزاميا، والشركات القائمة الآن تمارس التأمين التجاري، وإن أسمته تأمينا تعاونيا، فما الحكم في هذه الحال؟ نقول: لا حرج على الإنسان في الاشتراك في هذا التأمين باعتبار أنه ملزم ومجبر على هذا، لا حرج عليه، ولا يُلزم بالتهرب منه؛ لأن بعض الإخوة يحاول مثلا أن يتهرب من هذا التأمين، هذا فيه وقوع في الحرج، خاصة المسألة خلافية أيضا، وهذا مما يجعل المسألة أخف، فنقول: الدخول في هذا التأمين بهذه الطريقة، يعني مع هذا الإلزام، لا حرج فيه على المكلف، باعتبار أنه مجبر وملزم ويلحقه حرج لو لم يفعل ذلك. ولكن إذا دخل في هذا التأمين باعتبار أنه مجبر، ووقع له حادث مثلا، ووقع له حادث، وألزم الطرف الآخر بأن يدفع له أو يتكفل بأن يدفع له يعني مقابل، التلف الحاصل في السيارة مثلا، وكان ما يدفعه له عن طريق شركة التأمين أكثر مما بذله، يعني مثلا دفع قسطين، ونفترض أنه بخمسمائة ريال، بعدما دفع قسطين حصل حادث سيارة فالتزمت شركة التأمين بأن تدفع تكاليف .. أو يعني التلف الحاصل من هذا الحادث، ولنفترض أنه ثلاثة آلاف ريال، وهنا الآن سيأخذ أكثر مما دفع، فما حكم هذا؟ اختلف العلماء في هذه المسألة، اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة، فقال بعضهم: إنه ليس له أن يأخذ إلا بقدر ما دفع، إذا كان ما دفع مثلا إلا خمسمائة ريال ليس له أن يأخذ إلا خمسمائة ريال فقط، قالوا: لأنه إذا أخذ أكثر مما دفع يكون قد أخذ مالا بغير حق، فيكون هذا من أكل الأموال؛ أموال الناس بالباطل. والقول الثاني في المسألة أنه يجوز أن يأخذ ما بذل له، ولو كان أكثر مما دفع؛ لأنه إذا جاز الدفع جاز الأخذ، ولأن قاعدة الشريعة أن الغنم بالغرم، والخراج بالضمان، ولأن هذا أقرب إلى تحقيق العدل؛ إذ إن هذا الشخص لو أنه لم يحصل له حادث لأخذت منه أموال كثيرة، فكيف نقول: نجبره على.. أو نقول له: إذا كان الحق عليك فابذله وادفعه ولو بذلت أموالا كثيرة، أما إذا كان الحق لك لا تأخذ إلا بقدر ما دفعت. هذا فيه شيء من عدم العدل، وهذا القول هو الأقرب أنه إذا جاز الدفع جاز الأخذ، والخراج بالضمان، والغنم بالغرم، وهذا هو أقرب إلى العدل من القول الأول؛ إذ كيف نقول لهذا الشخص: ادفع لشركات التأمين ولو بأكثر مما تأخذ، أما إذا كان الحق لك فلا تأخذ إلا بقدر ما دفعت، هذا فيه شيء من عدم الإنصاف وعدم العدل، وفيه مراعاة لجانب دون جانب، لماذا تراعي شركات التأمين ولا تراعي هذا الفرد المسكين؟ تقول لهذا الفرد: لا تأخذ إلا بقدر ما دفعت، طيب وإذا لم يحصل له حادث أخذ منه المال بغير حق، فكما أنه يؤخذ من المال فأيضا إذا حصل له حادث ينبغي أن يأخذ المال أيضا، هذا هو الأقرب للإنصاف وإلى تحقيق العدل. والله تعالى أعلم.
-
خصم الأوراق التجارية من أهم مسائل الأوراق التجارية مسألة خصم الأوراق التجارية، أذكر التعريف وأوضحه بمثال، تعريف خصم الأوراق التجارية: الخصم معناه القطع، تعريف الخصم هو اتفاق يعجل به البنك الخاصم لطالب الخصم قيمة ورقة تجارية مخصوما منه مبلغ يتناسب مع المدة الباقية، وذلك في مقابل أن ينقل طالب الخصم إلى البنك هذا الحق على سبيل التملك، وأن يضمن له الوفاء عند حلول أجله، فهذه العملية مصرفية يقوم بموجبها حامل الورقة بنقل ملكيتها إلى المصرف عن طريق التظهير قبل موعد الاستحقاق مقابل تعجيل المصرف قيمتها مخصوما منه مبلغ معين، نوضح بمثال، قد يكون هذا الكلام غير واضح لكن نوضحه بمثال، إحنا قلنا في الأوراق التجارية: هي الكمبيالة والسند لأمر والشيك. الشيك واجب الدفع لدى الاطلاع، لا يرد عليه الخصم، الخصم إنما يرد إما على الكمبيالة أو السند لأمر إذا كان مؤجلا، يعني مثلا صوامع الغلال تعطي بعض المزارعين كمبيالات، عندما يضعون القمح فيها ما يعطونهم نقدا ولا يعطونهم شيكات، يعطونهم كمبيالات، ادفعوا لأمر المزارع فلان بن فلان مبلغا قدره مثلا مائة ألف ريال في 1 محرم 1427 هجريا، هذه كمبيالة وتمنح للمزارعين. بعض المزارعين يقول: أنا لن أنتظر إلى هذا الموعد، يذهب إلى البنك ويقول: هذه الكمبيالة صرفت لي، اصرف لي هذه الكمبيالة الآن بمائة ألف، أعطني الآن خمسة وتسعين ألفا، وخمسة آلاف ريال تكون عمولة لك أنت أيها البنك، تكون خمسة آلاف ريال عمولة للبنك مقابل تعجيل قيمة هذه الكمبيالة، يقول لنا: انتظر إلى هذا الموعد، أنا هذه الكمبيالة أعطيها للبنك والبنك يعطيني قيمتها معجلة مخصوما منها عمولة يتفقان عليها. في مثالنا هذا خمسة آلاف ريال عمولة يأخذها البنك لقاء تعجيله لقيمة هذه الكمبيالة. وهذا التعامل يا إخوان شائع ومنتشر، خاصة كما ذكرت لدى المزارعين وغيرهم ممن يصرف لهم كمبيالات، فما حكم هذا الخصم؟ اختلف فيه اختلافا كثيرا، وذكرته في الكتاب الذي أشرت إليه، أكثر من سبعة تخريجات، ويلاحظ على بعضها شيء من التكلف أو محاولة لي أعناق النصوص أو القواعد الفقهية للقول بالجواز؛ لأن بعض الناس عندما يريد تخريج مسألة معاصرة يتأثر بضغط الواقع ويبرر بحاجة الناس ويبرر.. والذي ينبغي هو التجرد عند البحث عن مسألة وعدم التأثر بالواقع، وإنما ينظر لها على أنها مسألة.. ينظر لها على حسب ما تقتضيه الأدلة والقواعد الشرعية. هذه المسألة اختلف فيها اختلافا كثيرا، وقد درستها في الكتاب الذي أشرت إليه في أكثر من خمسين صفحة، وخرجت بالقول بأن هذا الخصم هو في الحقيقة قرض بفائدة، هذا الخصم يعتبر قرضا بفائدة. هذا هو القول الصحيح الذي ندين الله به أن خصم الورقة التجارية هو في حقيقة الأمر قرض بفائدة، كأنك تقول للبنك أو لهذا المصرف: أقرضني قيمة هذه الكمبيالة بهذه الفائدة، أقرضني خمسة وتسعين ألفا بمائة ألف مثلا. فهو في الحقيقة قرض بفائدة، كيف تقول أنها .. أعطني الآن خمسة وتسعين وأعطيك مائة ألف مؤجلة، أعطني الآن خمسة وتسعين ألفا حاضرة بمائة ألف مؤجلة، فخصم الأوراق التجارية التخريج الفقهي له أن قرض بفائدة، والقرض بفائدة محرم. وبناء على ذلك يكون خصم الأوراق التجارية محرما. وبعضهم فصّل قال: إذا كان الخصم على مصرف المدين أو على غير مصرف المدين، والصحيح أنه لا تفريق بين مصرف المدين ومصرف غير المدين، كله يعتبر قرضا بفائدة. ولذلك ينبغي التنبه والتنبيه لهذه المسألة؛ لأنها كما ذكرت شائعة خاصة بين المزارعين، يذهبون للبنوك ويخصمون الكمبيالات، وربما بعضهم يجهل الحكم الشرعي فيها. وهناك بديل ومخرج شرعي يحصل به حامل هذه الكمبيالة على حقه من غير وقوع في المحظور، وهذا المخرج هو بيع الورقة التجارية على المصرف بعوض غير نقدي، أو بعرض من العروض، فيقول: هذه الورقة كمبيالة فيها مائة ألف ريال، أنا أبيعكم هذه الكمبيالة بسيارة، وهنا لا مانع، أبيعكم هذه الكمبيالة بسيارة، فهاهنا تكون المسألة من قبيل بيع الدين لغير من هو عليه بالعين، فهذه الكمبيالة تمثل دينا، وبيع هذا الدين لغير من هو عليه - يعني لهذا المصرف - بعين وهو سيارة، وبيع الدين لغير من هو عليه جائز على الصحيح من قولي العلماء. فإذن يعتبر هذا مخرجا يستطيع به حامل هذه الكمبيالة أن يحصل على غرضه من غير وقوع في الربا، من غير وقوع في المحظور الشرعي. إذن الخلاصة أن خصم الأوراق التجارية أنه قرض بفائدة، وأنه محرم، وأن المخرج هو أن تباع بغير نقد، تباع بعرض من العروض. لعلنا نختم بهذه المسألة في الأوراق التجارية، وهي قبض الأوراق التجارية، القبض عند الفقهاء يعني حيازة الشيء والتمكن منه، سواء كان التمكن باليد أو بعدم الممانع، أو بعدم المانع، وهو ما يسمى بالتخلية، أو القبض الحكمي.
-
الاوراق التجاريه الأوراق التجارية: تعريفها ومعناها: عرفت بعدة تعريفات، من أحسنها أنها صكوك قابلة للتداول، تمثل حقًا نقديًا، وتستحق الدفع لدى الاطلاع، أو بعد أجل قصير. ويجري العُرف على قبولها كأداة للوفاء، وتقوم مقام النقود في المعاملات. هذا هو تعريفها الإجمالي. وهي تنقسم أو تتنوع إلى ثلاثة أنواع: الكمبيالة والشيك والسند بأمر، وتختلف الأنظمة في أنواع الأوراق التجارية. فبعضها لا يجعلها على سبيل الحصر، وإنما يجعلها على سبيل التمثيل، وبعضها يجعلها على سبيل الحصر. ونظام الأوراق التجارية الموجود عندنا في الملكة جعلها على سبيل الحصر، وتبع في ذلك النظام العالمي أن الأوراق التجارية موحد، أنه قد صدر فيه نظام موحد يسمى قانون جنيف الموحد للأوراق التجارية صدر عام 1930 أو 1931، وإنما أشرت لهذا القانون لأنه يعتمد عليه نظام الأوراق التجارية الموجود عندنا في المملكة اعتمادًا كبيرًا يكاد يكون كليًا، إلا في مسألة أو مسألتين. وقد درست هذا النظام مادة مادة، ولم أر فيه أي مخالفة للشريعة الإسلامية، بل نصت إحدى المواد على أن أي شيء يخالف الشريعة الإسلامية فهو ملغي، واعتباره كأن لم يكن. وهنا فائدة نسوقها وهي أن الأنظمة عندنا هنا في المملكة مصاغة صياغة جيدة. فلو نظرت إلى السياسة الإعلامية، أنظمة الأوراق التجارية، جميع الأنظمة في الجملة لا تجد فيها مخالفة شرعية، إنما تأتي المخالفات من جهة التطبيق، وإلا الأنظمة من حيث هي أنظمة تجد أنها تصاغ بطريقة جيدة، وليس فيها مخالفات شرعية. فهذا إذًا نظام الأوراق التجارية يعتمد اعتمادًا كبيرًا على القانون الموحد للأوراق التجارية ولكنه استبعد مكانًا مخالفًا للشريعة الإسلامية، فكان هذا النظام الموحد والذي يتبعه نظام الأوراق التجارية في المملكة، ذكر أن الأوراق التجارية منحصرة، يعني على سبيل الحصر، ليست على سبيل المثال، تتنوع إلى ثلاثة أنواع فقط، الكمبيالة والسند لأمر والشيك فقط، هذه هي الأوراق التجارية. إذا قيل أوراق تجارية فتعني هذه الأمور الثلاثة فقط: الكمبيالة والسند لأمر والشيك. أما الكمبيالة: فهي كلمة إيطالية، وليست كلمة عربية، ولا تعرف في لغة العرب ولا عند فقهاء المسلمين، بل هي كلمة إيطالية، ولكنها اشتهرت بهذا المصطلح، وتسمى في بعض الأنظمة بسفتجة، وسند سحب، وسند حوالة، وبوليصة. ومعناها معنى الكمبيالة أو تعريفها: أنها صك يحرر وفقًا لشكل قانوني معين، يتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب، موجها إلى آخر يسمى المسحوب عليه، بأن يدفع مبلغا معينا لدى الاطلاع، أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين إلى شخص ثالث يسمى مستفيد. إذا تعريفها مرة أخرى: صك يحرر وفقًا لشكل قانوني معين، يتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب إلى آخر يسمى المسحوب عليه، بأن يدفع مبلغا معينا لدى الاطلاع، أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين إلى شخص ثالث يسمى مستفيد. يعني هي شبيهة بالشيك إلا أنها تختلف عن الشيك في أمور: الأمر الأول: أنها تصلح أن تكون مؤجلة، أما الشيك فواجب الدفع لدى الاطلاع لذلك يعتبر أن كتابة الشيك بتاريخ مؤجل يعتبرونه مخالفة، لكن الكمبيالة طبيعتها أنها تقبل التأجيل. ثم أيضًا لا يشترط أن تكون مسحوبة على بنك، بينما الشيك يشترط أن يكون مسحوبًا على بنك أو مؤسسة مصرفية. هذه الكمبيالة ليست شائعة عند الأفراد هي شائعة في التعامل بين الشركات والمؤسسات، وربما بعض التجار. وأما عامة الناس فهم الشائع عندهم الشيكات. وهذه الكمبيالة في الحقيقة فيها فائدة كبيرة، لو أنها فهمت فهمًا جيدًا، يمكن من خلالها سداد عدة ديون. فمثلًا: تكتب أنت يأتيك شخص، ويطلبك دينًا، وأنت تعرف أنك تطلب شخصا آخر دينًا، وهذا الدين لا يحل إلا بعد مدة معينة مثلًا، فتحول هذا الشخص، يأتيك هذا الشخص تقول: ادفع لأمر فلان بن فلان مبلغا قدره كذا، في تاريخ مثلًا 1 رمضان 1426 للهجرة، وتكتب التاريخ، ويعني تذكر ما هو مطلوب في الكمبيالة، كتابة التاريخ، والاسم، والمبلغ، والإمضاء، وحينئذٍ تسلم هذا الدائن تسلمه هذه الكمبيالة، هذا الدائن ممكن أن يستفيد من هذه الكمبيالة ويظهرها، يعني يجيرها لدائن له آخر، وهذا الدائن الآخر ممكن أن يظهرها لدائن آخر يعني يجيرها لدائن آخر، ربما يجتمع عليها عشرة، حتى إذا أتى الموعد المحدد مثلا وهو واحد رمضان دفعت للأخير. بهذا استطاع مجموعة من الناس أن يقضوا ديونهم ويسددوا ديونهم بموجب هذه الكمبيالة. فإن قلت: كيف يُعتمد عليها، وهي قد لا يحصل الوفاء من المسحوب عليه؟ الجواب: أنها توفر لها حماية كبيرة من قانون الصرف، ومن الجهة التي تتبعها، وهي مثلًا عندنا في المملكة وزارة التجارة، يفترض أنها توفر لها حماية كبيرة بحيث من يُخل بها يتعرض لعقوبات صارمة. هذه إذًا هي الكمبيالة، كما تلاحظون هي شبيهة بالشيك إلا أنها تختلف عنه في عدة أمور، أنها تقبل التأجيل، أنها لا يشترط أن تكون على بنك. أما السند لأمر، ويسمى السند الإذني، فهو صك يتعهد بموجبه محرره بأن يدفع مبلغا معينا في تاريخ معين، أو قابل للتعين، أو بمجرد الاطلاع إلى شخص آخر يسمى المستفيد. هذا أيضًا السند الإذني، غير شائع عند الأفراد، لكنه الشائع عند المؤسسات وعند التجار. وهو يختلف عن السندات قسيم الأسهم، السندات قسيمة الأسهم يختلف عنها، وتلك سبق أن قلنا: إن تلك السندات تشتمل على فوائد ربوية، لكن هذا السند الإذني هو في الحقيقة مجرد وثيقة بدين، كأنه يعني تعهد، تكتب أتعهد بأن أدفع لأمر فلان بن فلان مبلغا قدره كذا في تاريخ كذا، وتكتب المكان والزمان والتوقيع. ويُفترض أيضًا أن توفر له حماية قانونية كبيرة، بحيث إذا لم يف هذا الشخص الذي هو المسحوب عليه، أو محرره في الحقيقة، محرره، إذا لم يسدد قيمة هذا السند فإنه يتعرض لعقوبات صارمة. فهذا هو السند الإذني، ويسمى السند لأمر، وهو كما ذكرت موجود لدى المؤسسات والشركات. لكن لاحظ هنا أنه بين طرفين فقط محرر ومستفيد، ولكن لا يقال ساحب ومسحوب عليه، ومستفيد، كما قلنا في الكمبيالة، لكنه فقط بين طرفين محرر ومستفيد. أما الشيكات فهي معروفة، والنوع الثالث: الشيك، ويقال إن مصطلح شيك منقول من صك، فيكون أصل هذه الكلمة عربيا، وصك أيضًا هي كلمة عربية، لكنها معربة، ولّا أصلها فارسي أيضًا، أصلها فارسي، وجمعها أصك، وصكاك، وصكوك، فنقلت إذا بدل صك جعلت شك ثم جعلت شيك. وتعريف الشيك: يعرف بأنه صك يحرر وفقا لشكل قانوني معين يتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه بدفع مبلغ معين من النقود لشخص ثالث يسمى المستفيد بمجرد الاطلاع. إذا: صك يحرر وفقا لشكل قانوني معين، يتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب، إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه، بدفع مبلغ معين من النقود إلى شخص ثالث يسمى المستفيد بمجرد الاطلاع. لاحظ هنا أن الشيك لا بد أن يدفع بمجرد الاطلاع، ولا يصلح أن يكون قابلا للتأجيل، بخلاف الكمبيالة والسند لأمر. قبل أن نتعرض للتخريج الفقهي لهذه الأنواع للأوراق التجارية، أشير هنا إشارة إلى أن أصول هذه الأوراق التجارية، قد كانت معروفة لدى المسلمين؛ يعني أنها لم تقتبس بكاملها من الغرب، وإن كانت بتنظيمها الموجود الآن أخذت من الغرب، لكن أصول هذه الأوراق كانت معروفة لدى المسلمين. فإن المسلمين قد عرفوا التعامل بما يشبه السفاتج ... الصحابة رضي الله عنهم، قد روي عن ابن عباس أنه كان يأخذ الورق من التُجار بمكة، على أن يكتب لهم بها إلى الكوفة، وكان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم، ويكتب لهم بها إلى مصعب. فمثل هذه الرقاع التي يكتبون فيها تشبه في أصولها هذه الأوراق التجارية. وأيضًا جاء في صحيح مسلم أن صكوكا خرجت للناس في زمن مروان بن الحكم، يكتب فيها مقدار الطعام، يعني يكتب بأن فلان وفلان يستحق كذا من الطعام، فتبايعها الناس قبل أن يستوفوها، يعني قبل أن يستوفوا ما تمثله من طعام، فدخل زيد بن ثابت ورجل - جاء في رواية أنه أبو هريرة -، دخل زيد بن ثابت وأبو هريرة على مروان بن الحكم فقالا: تحل الربا يا مروان! قال: وما ذاك؟ قالا: هذه الصكوك تبايعها الناس، ثم باعوها قبل أن يستوفوها. فبعث مروان بن الحكم الحرس يتبعونها ينزعونها من أيدي الناس ،ويردونها إلى أهلها. هذه الصكوك، في الحقيقة، كما ذكرنا، أوراق تصدر من ولي الأمر بالرزق لمستحقه، يكتب لفلان كذا ولفلان كذا من الطعام. وقد كانت الدولة في ذلك الوقت تدفع هذه الصكوك لجنودها وعمالها في مقابل رواتبهم المستحقة لهم، وكان بعض الناس يتبايع تلك الصكوك قبل قبض الطعام، فكان إنكار زيد بن ثابت وأبي هريرة لأجل هذا، لا لأجل كتابة تلك الصكوك، وإنما لأجل تبايعها قبل استيفاء وقبل قبض الطعام. هذا يدل على أن أصول هذه الأوراق التجارية كانت معروفة لدى المسلمين، وإن كانت بهذا التنظيم قد أخذها المسلمون من غيرهم، لكن أصولها، كانت معروفة لدى المسلمين منذ زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وأما تخريجها الفقهي: أما الكمبيالة، فاختلف فيها، فقيل: إنها سفتجة، وقيل إنها قرض، وقيل حوالة. وإذا قلنا سفتجة، احتجنا أن نذكر تعريفا للسفتجة. السفتجة معناها معاملة مالية، يقرض فيها إنسان آخر قرضا ليوفيه المقترض أو نائبه أو مَدينهُ في بلد آخر. معاملة مالية يقرض فيها إنسان قرضا لآخر في بلد ليوفيه المقترض أو نائبه أو مَدينهُ في بلد آخر. يعني مثلًا: تقول لفلان: أقرضني عشرة آلاف ريال، وسوف أسددها لك في مكة، أعطيك إياها، أو يُعطيك إياها وكيلي في مكة. وفائدتها: أمن خطر الطريق، وهي الآن موجودة الآن في التحويلات المصرفية، تعتبر سفتجة. أنت عندما مثلًا تحول حوالة على شخص مقيم في مكة، أو مثلا في المدينة، تحوله حوالة بمبلغ معين، يعتبر حوالة، لكنه في الحقيقة سفتجة، تسمى حوالة أقصد أنها تسمى حوالة، لكنها في الحقيقة سفتجة، لأنك تقرض البنك مثلًا عشرة آلاف ريال، وتقول: سلم هذا المبلغ المقترض إلى فلان من الناس في مكة في المدينة في أي بلد آخر، فمادام أن العملة واحدة فهذا يسمى سفتجة، وإذا اختلفت العملة فسنتكلم عنها إن شاء الله بعد قليل. لكن إذا كانت العملة واحدة ذي الريالات تحول عشرة آلاف ريال تضع عند البنك عشرة آلاف ريال وتقول حولها له، فتسميه حوالة لكنها في الحقيقة في التكييف الفقهي أنها سفتجة. اختلف العلماء في حكم السفتجة، فالمذاهب الأربعة على تحريمها، المذاهب الأربعة على تحريمها، هو المشهور من مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والصحيح مذهب الحنابلة لأنهم اعتبروا أنها من قبيل القرض الذي جر نفعًا. والقول الثاني أنها جائزة، وقد روي هذا عن عدد من الصحابة، عن علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن الزبير، رضي الله عنهم. وهو رواية عند المالكية والحنابلة، وهي التي عليها المحققون من أهل العلم، اختارها الموفق ابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، رحم الله الجميع، وهي التي يفتي بها مشايخنا في الوقت الحاضر، عامة مشايخنا على هذا القول، القول بجواز السفتجة، سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله على الجميع. أما الجمهور الذين قالوا بتحريم السفتجة، ليس لهم أدلة صحيحة صريحة في التحريم، وإنما غاية ما استدلوا به إما أدلة صريحة، لكنها ضعيفة، كحديث "السوفتجات حرام" ولكن هذا الحديث حديث ضعيف، بل قيل إنه موضوع، حكم عليه بعض العلماء بأنه موضوع. وأيضًا مما علل به الجمهور قالوا: إن السفتجة قرض استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق، وهذا نوع نفع، وقالوا: إن المقرض استفاد بهذا القرض أمن خطر الطريق، وكل قرض جر نفعا هو ربا. وأما أصحاب القول الثاني، الذين قالوا بجواز السفتجة، فاستدلوا أولاً قالوا: إن هذا القول مأثور عن عدد من الصحابة كما ذكرنا ابن عباس، وابن الزبير، وعلي بن أبي طالب، وقالوا أيضًا: إن السفتجة فيها مصلحة لكل من المقرض والمقترض من غير ضرر بواحد منهما، فالمقرض ينتفع بأمن خطر الطريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، والمقترض ينتفع بالقرض، وما كان فيه مصلحة للجميع، وليس فيه ضرر، فإن الشرع لا يحرمه، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الصحيح الجواز، يعني الصحيح في حكم السفتجة الجواز؛ لأن كل من المقرض والمقترض منتفعٌ بهذا الاقتراض. والشارع لا ينهى عما ينفعهم ويصلحهم، وإنما ينهى عما يضرهم. ثم إن السفتجة لم ينص على تحريمها وليست هي في معنى منصوص فوجب إبقاؤها على الإباحة، لا سيما أن الحاجة داعية لها خاصة مثلا في وقتنا الحاضر الآن، عليها عمل الناس، الناس الآن على هذه التحويلات التي هي في الحقيقة سفتجة، خاصة عندما يكون التحويل مثلًا خارج المملكة ربما يصعب نقل الدراهم، يصعب نقلها فيحتاج إلى تحويلها، فإذا كان تحويلها بنفس العملة فهي في الحقيقة سفتجة. والقول بمنعها فيه حرج كبير على الناس وليس هناك دليل ظاهر على التحريم، صحيح أنه هو قول الجمهور، القول بالتحريم قول الجمهور وهو رأي المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة لكن ليست المسألة محل إجماع، ولا يلزم أن يكون رأي المذاهب الأربعة أن يكون هو الصواب. رأيت مثلًا طلاق، طلاق الثلاث بكلمة واحدة المذاهب الأربعة على أنه يقع ثلاثًا، أما القول الصحيح أنه يقع واحدة. فليست كل مسألة تتفق فيها المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة تكون هي الصواب. وقد يكون الحق مع الأقل، ولهذا فالمذاهب الأربعة على تحريم السفتجة ولكن القول الصحيح هو أنها جائزة، وهو الذي عليه المحققون من أهل العلم وهو الذي عليه العمل، إذا يكون هذا هو القول الراجح وهو جواز السفتجة. يبقى أن نجيب عمَّا استدل به الجمهور. نحن ذكرنا أن الأحاديث التي استدلوا بها ضعيفة بل بعضها ربما حكم عليه بالوضع، كما يروى حديث "أن السفتجات حرام" قلنا أنه عند بعض أهل العلم موضوع. وأما قولهم أن السفتجة قرض استفاد بها المقرض سقوط خطر الطريق، وكل قرض جر نفعا فهو ربا: أولًا: هذه المقولة: ( كل قرض جر نفعا فهو ربا ) لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، تجدهم في بعض كتب الفقه ربما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحقيقة لا يصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام بعض الفقهاء، وليس حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أيضًا لو سلمنا بهذه واعتبرناها قاعدة فليست على إطلاقها، إذ ما من قرض إلا ويتضمن نفعًا، ولهذا قال ابن حزم يقول: ليس في العالم سلف يعني قرضا إلا وهو يجر منفعة، وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله فيكون مضمونًا تلف أو لم يتلف، مع شكر المستقرض إياه، وانتفاع المستقرض بمال غيره مدة. قال: فعلى قولهم ( إن كل سلف جر منفعة هو ربا ) يكون كل سلف حراما وهذا فيه ما فيه. إذًا ليست كل منفعة في القرض تكون حرامًا. إذًا ما الضابط في المنفعة المحرمة في القرض؟ الضابط في ذلك كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: الضابط في ذلك المنفعة التي يختص بها المقرض دون المقترض، أما المنفعة التي يشتركان فيها فإنها لا تكون محرمة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: الصحيح هو الجواز لأن كل من المقرض والمقترض منتفع بهذا الاقتراض، والشارع لا ينهى عمَّا ينفعهم ويصلحهم، إنما ينهى عما يضرهم. فإذًا المنفعة المحرمة في القرض هي التي يختص بها المقرض دون المقترض. فسكنى دار المقترض وركوب دوابه وقبول هديته ونحو ذلك من المنافع التي يختص بها المقرض، أمَّا ما كان فيه منفعة للمقرض والمقترض جميعًا، فإن هذا ليس بمحرم. وإذا نظرنا إلى السفتجة ففيها مصلحة للطرفين، فيها مصلحة للمقرض، ومصلحة للمقترض. أما المقترض فالمصلحة ظاهرة، أما المقرض فالمصلحة هي أمن خطر الطريق، ولهذا فالصحيح في السفتجة أنها جائزة، وعلى هذا خرجت الكمبيالة فقيل إنها سفتجة، وقد كانت في النظام القديم للأوراق التجارية، أنه كانت تسمى سفتجة، ولكن قد تكون بعض صور الكمبيالة لا تنطبق على السفتجة، ولهذا فالتخريج الفقهي للكمبيالة أنها قد تكون سفتجة وقد تكون قرضًا وقد تكون حوالة بحسب طبيعة العلاقة. وأما حكم التعامل بالكمبيالة في الشريعة الإسلامية، فإنه لا بأس به؛ لأن كما ما ذكرنا على القول الراجح وهو أن السفتجة جائزة تكون الكمبيالة جائزة ولا بأس بها. وهكذا لو قلنا إنها قرض أو حوالة فهذه عقود مجمع على جوازها، ولكن إذا كانت الكمبيالة فيما يشترط فيه التقابض من الطرفين كالصرف أو من طرف واحد كالسلم هنا لا بد من أن تحرر كمبيالة، يعني لا يجوز أن تكون الكمبيالة بعد أجل. وأما السند لأمر: الذي ذكرنا صورته قبل قليل فالتخريج الفقهي له أنه وثيقة بدين. فأنت تقول أتعهد بأن أدفع لأمر فلان بن فلان مبلغا قدره كذا في تاريخ كذا. هذا، في الحقيقة، يُعتبر وثيقة بدين وهو جائز ولا بأس به. ولكن أيضًا يلاحظ ما قلناه في الكمبيالة لأنه إذا كان السند لأمر فيما يشترط فيه التقابض، فإنه لا يصح أن يكون مؤجلًا. وأما الشيك التخريج الفقهي له أنه حوالة، التخريج الفقهي للشيك أنه حوالة، يكون المحيل هو الساحب، يعني محرر الشيك هو المحيل، المحال عليه هو المسحوب عليه الذي هو المصرف أو البنك، والمحال هو المستفيد. فإذا التخريج الفقهي للشيك أنه حوالة، المحيل هو الساحب، المحال عليه هو المصرف أو البنك، المحال هو المستفيد. يترتب على القول بأن الشيك حوالة، أن المستفيد الذي تكتب له أنت شيكا يلزمه قبول الشيك إذا كان المحال عليه مليئا وهو في الحقيقة هنا مليء. لكن لك أن تشترط تقول: لا أقبل إلا إذا كان الشيك يعني مصدقا مثلا، أو إذا كان فيه رصيد، لكن يلزمك قبول هذا الشيك، لأننا حقيقة قلنا: إن التخريج الفقهي لهذا الشيك أنه حوالة، فيلزمك في الحقيقة قبوله، يلزمك قبوله؛ لأن إذا أحال إنسان آخر، وكان المحال عليه مليئا، فإنه يجب قبول الحوالة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع هذه من ثمرات قولنا في التخريج الفقهي للشيك: إنه حوالة. وهناك نوع من الشيكات يسمى الشيكات السياحية، وسبق أنه ورد فيه سؤال من الأسئلة فيما سبق. الشيكات السياحية هي شيكات تصدرها بعض المصارف أو المؤسسات بقيم متفاوتة على فروعها، أو على مراسليها في الخارج لمصلحة المسافر الذي يستطيع الحصول على قيمتها بمجرد عرضها لدى أي فرع من فروع المصرف، أو لدى مراسليها. إذن مرة أخرى: الشيكات السياحية هي شيكات تصدرها المصارف بقيم متفاوتة على فروعها، أو على مراسليها في الخارج لمصلحة المسافر الذي يستطيع الحصول على قيمتها بمجرد عرضها للوفاء في أي فرع، أو لدى أي مراسل لهذا المصرف، أو لهذه المؤسسة. وهذه الشيكات السياحية لا بأس بها، لكن ترد عليها إشكالية، وهي أن المُصدِر لهذه الشيكات .. الجهة المصدرة لهذه الشيكات تأخذ عمولة. والذي يظهر والله أعلم أن هذه العمولة لا بأس بأخذها؛ لأنها مقابل خدمات، ولأن أيضا المنفعة لا تختص بالمقرض هنا، وإنما تشمل المقرض والمقترض، فهي شبيهة بالسفتجة، ونحن قلنا في ضابط النفع المحرم في القرض: هو النفع الذي يختص بالمقرِض، وأما ما يشمل المقرِض والمقترض فإنه لا يكون نفعا محرما، وبناء على ذلك تكون الشيكات السياحية جائزة ولا بأس بها.
-
المسابقات التجارية وأحكامها وهذا الموضوع هو في غاية الأهمية خاصة في وقتنا الحاضر الذي قد كثرت فيه هذه المسابقات وتنوعت، بل وتفنن القائمون عليها وأصبحت وسيلة من وسائل الاستثمار والربح، سواء المحلات التجارية المؤسسات الشركات، أو كان ذلك عن طريق الوسائل الإعلامية، فلا بد من معرفة الضوابط فيما يباح وفيما يحرم من هذه المسابقات، وتبرز أهمية هذا الموضوع من جهة اتصاله بالواقع أولا، ومن جهة عدم فهم بعض الناس للضوابط الشرعية في هذا الموضوع، وعدم فهم مقصد الشارع أو مقاصد الشرع في هذا الباب، وربما يكون من أسباب ذلك قلة ما كتب في هذا الموضوع، أعني المسابقات التجارية، وإن كان الفقهاء يذكرون أحكام السبق في باب السبق، بل عامة كتب الفقه والحديث تتكلم عن أحكام السبق، ولكن تنزيل هذه الأحكام على واقعنا المعاصر هو الذي لا يزال قليلا، لا يزال ما كتب في ذلك قليلا، بل حتى المحاضرات والدروس والندوات لا تزال قليلة مقارنة بانتشار هذه المسابقات انتشارا كبيرا، ففي هذا الدرس سوف نركز على التأصيل والتقعيد لهذه المسابقات، حيث نذكر ضوابط يستطيع كل واحد أن يعرف من خلال هذه الضوابط ما الذي يباح وما الذي يحرم من هذه المسابقات، وسنذكر أمثلة لهذه المسابقات ربما لا نستطيع الحصر لكثرتها وتنوعها، لكن سنذكر أمثلة لها، ومما سنتعرض لحكمه إن شاء الله المسابقات التجارية للشركات والمحلات والمؤسسات، وكذلك المسابقات في الصحف والمسابقات في القنوات الفضائية، وكذلك المسابقات عن طريق رسائل الهاتف الجوال عن طريق الرقم سبعمائة، وأيضا بطاقات الفنادق ونقاط الطيران، وأيضا الهدايا التي تمنحها المحلات التجارية ومحطات الوقود، كل هذه سوف نتعرض لها إن شاء الله تعالى، وسنذكر الضوابط فيها، ولكن قبل أن نتكلم عنها لا بد من أن نبدأ بالجانب التأصيلي لهذا الموضوع، فنذكر ما ذكره العلماء من قواعد وضوابط في هذا الباب على ضوء ما ورد من النصوص، فأقول: إن الفقهاء يذكرون هذه الأحكام في باب السبق، والسبق هو العوض الذي يسابق عليه، والأصل في هذا الباب حديث عظيم عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي اعتمد عليه العلماء في تقرير أحكام هذا الباب، وهو الأصل الذي يرجع إليه في هذا الباب، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر هذا الحديث العظيم لا تتجاوز كتابته سطرا واحدا ولكنه اشتمل على أحكام كثيرة كما سيأتي، كل مسألة مثلا نريدها سنحتج بهذا الحديث، هذا من جوامع الكلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اختصر له الكلام اختصارا، فاللفظ الوجيز يحمل معان كثيرة، هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وهو حديث صحيح من جهة السند، قال: لا سبق لا نافية للجنس و"سبَق" بفتح الباء، وروي بإسكان الباء "لا سبْق" روي هذا وهذا، ولكن الرواية المشهورة هي بالفتح "لا سبَق" قال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" قال: "الرواية الصحيحية في هذا المحديث السبَق" مفتوحة الباء. وهنا نفي بمعنى النهي وهو أبلغ ما يكون من النهي كأنه قال: لا يصح أن يكون هناك عوض يسابق عليه إلا في هذه الأمور الثلاثة . المراد بالخف هنا الإبل والمراد بالنصل السهم، والمراد بالحافر الخيل. فيكون معنى الحديث أنه لا يجوز أن يكون هناك عوض يُسابق عليه إلا في الإبل والخيل والسهام. وإذا نظرنا إلى هذه الثلاثة - هذه الأمور الثلاثة المستثناة في هذا الحديث - ما الذي يجمعها - الخيل والإبل والسهام - ما الذي يجمعها؟ الذي يجمعها هو كونها من آلات الجهاد في سبيل الله، في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، أنها آلات جهاد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون المعنى: أنه لا يجوز السبق إلا إذا كان ذلك في التدريب على آلات الجهاد في سبيل الله، ويفهم من هذا أن آلات الجهاد في سبيل الله الحديثة، يجوز أخذ السبق عليها؛ لأنها في معنى هذه الأمور الثلاثة، ولأن مقصود الشارع من استثنائها هو حث الناس على التدرب عليها. وفي قوله لا سبق دليل على أن الأصل في باب المسابقات المنع أو الإباحة؟ المنع - لاحظ هذا الأصل - دليل على أن الأصل المنع، إلا فيما ورد النص باستثنائه، إلا فيما ورد النص باستثنائه، فتنبه لهذا الأصل. وقد قسم أهل العلم المسابقات والمغالبات إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ما يجوز بعوض وبدون عوض، وهو المسابقة في الإبل والخيل والسهام، وقد اتفق العلماء على ذلك، يعني هذا ليس محل خلاف، اتفق العلماء على جواز المسابقة بعوض وبدون عوض في هذه الأمور الثلاثة لهذا الحديث. القسم الثاني: ما لا تجوز فيه المسابقة مطلقًا، سواء كان بعوض أو بدون عوض، وهو كل ما أدخل في محرم أو ألهى عن واجب. القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض، وهو كل ما فيه منفعة مباحة، وليس فيه مضرة راجحة. كالمسابقة بالأقدام مثلًا. وأضاف بعض أهل العلم للقسم الأول - وهو ما يجوز بعوض وبدون عوض - أضافوا له ما كان فيه ظهور لأعلام الإسلام وأدلته وبراهينه، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم رحمهما الله، وقد فصل ابن القيم في كتابه القيم " الفروسية " فصل الكلام في ذلك وذكر، أو واستدل لهذا بقصة مراهنة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لكفار قريش كما عند الترمذي وغيره بسندٍ، قال ابن القيم: إنه على شرط الصحيح، أنه لما نزل قول الله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ إلى آخر الآيات، وكان المسلمون يحبون انتصار الروم على فارس، وكانت قريش تحب انتصار فارس على الروم.
-
شركات التسويق الهرمي بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد: فموضوع درسنا هذا اليوم هو شركات التسويق الهرمي، وهذه الشركات قد برزت في الآونة الأخيرة، وتعددت وحصل فيها خلاف كثير بين العلماء المعاصرين، باعتبارها نازلة من النوازل، ونحن نذكر في هذا الدرس حقيقة هذه الشركات، والتكييف الفقهي لها، ثم حكمها الشرعي، مع الإشارة إلى آراء العلماء المعاصرين فيها، وبيان القول الراجح. هذه الشركات نشأت أول ما نشأت في بلاد الغرب، ثم انتقلت للمجتمعات الإسلامية؛ ولهذا حصل الخلاف بين العلماء فيها، ويتلخص عملها في أن هذه الشركات تقوم بإقناع الشخص بشراء سلعة أو منتج على أن يقوم بإقناع الآخرين بالشراء، ثم هؤلاء المشترين يقنعون آخرين وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر تبلغ آلاف الريالات، وكل مشترك يسعى لإقناع من بعده بالاشتراك مقابل هذه العمولات الكبيرة، وهذا ما يسمى بالتسويق الهرمي أو الشبكي. فكرتها أن يشتري الشخص منتجات الشركة، وهي عبارة عن برامج، وموقع بريد إليكتروني بمبلغ تسعة وتسعين ريالا، ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يسوق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة، ثم يقوم هذا الشخص بإقناع آخرين إلى آخره، كما ذكرنا حتى تتكون شجرة على شكل هرم. وتشترط الشركة لاحتساب العمولات ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم عن تسعة أشخاص في شجرة المشتري، على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين، وتبلغ العمولة خمسة وخمسين دولارًا، ويتم صرف العمولة في مقابل كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي، وتتضاعف في كل مرة يضاف فيها مستوى جديد، أو طبقة جديدة للشركة، وإذا افترضنا أن الشركة تنمو كل شهر، بمعنى أن كل شهر ينضم شخصان إلى كل شخص في الهرم، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمس وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر، ويستمر هذا التضاعف في كل شهر، وهذا في الحقيقة هو مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج، لمجرد مقابل دفع مبلغ زهيد تسعة وتسعين دولار، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف هذا المبلغ، وهذه هي فكرة هذه الشركة، قد لا تكون مفهومة للجميع بالقدر الكافي؛ لأن طريقتها يشوبها شيء من الغموض، ولكن فكرتها تدور حول التسلسل الهرمي، وأن الإنسان يُعطيهم تسعة وتسعين دولار، وبعد ذلك يحصل على عمولات كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، هناك شركه طريقة عملها تقوم على بيع أسطوانة أو قرص حاسب آلي، محتوي على برامج لفنون شرعية، من فقه وحديث وتفسير، تُباع هذه الأسطوانة بخمسمائة ريال، وكل شخص يتسوق من هذه الشركة فإنه يندرج تحت اسمه عدد من المشترين، وبمجرد اكتمال أربعة مشترين تحت هذا الشخص فإنه يستحق مبلغ ستمائة ريال مكافئة من الشركة، والمتسوق ليس ملزما بإحضار هؤلاء الأربعة. أما إذا أحضر المتسوق عن طريقه أشخاصًا يرغبون في التسوق، فإنه يستحق عن كل شخص مبلغ قدره خمسة وسبعين ريال، وإذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن هذا المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألف ريال وخمسمائة ريال، إذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألفا وخمسمائة ريال، هبة من الشركة، وتجميع الثلاثمائة والأربعون متسوق مسئولية الشركة لا المشتري، يعني أنك مجرد ما تشتري الأسطوانة بخمسمائة ريال قد تحصل على عمولات تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، ويعتبرون أن هذا هبة من الشركة. يقولون: أنت اشتريت هذه الأسطوانة لتنتفع وتستفيد منها، وهذه عمولات على كونك أتيت بالمشترين من بعدك، أو حتى لو لم تأت بأحد فإنك تستحق أيضًا عمولات، وهذه العمولات إذا تراكمت تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، إذن هذه الأسطوانة، وهذا النوع من التسويق الهرمي، كما ذكرت هذا النوع من الشركات يُعتبر نازلة من النوازل، لأنها لم تكن معروفة في المجتمعات الإسلامية من قبل، ومن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين: القول الأول: المنع وأن هذا النوع من الشركات محرم شرعًا، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء المعاصرين، وصدر به فتوى من الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. القول الثاني: الجواز، ثم اختلف أصحاب هذا القول فمنهم من أجازها مطلقًا من غير قيود، ومنهم من قيدها، بأن تقدم الشركة خدمات حقيقية نافعة وليست صورية. ومنهم من قيدها بشرطين: الأول: أن تبيع الشركة المنتج بسعر السوق. والثاني: أن يكون المشتري لهذا المنتج بحاجة إليه وراغبا فيه. ونأتي لأدلة لكل قول ثم نبين القول الراجح. ولعلنا نبدأ بالقول الثاني وهم القائلون بالجواز: فعللوا قولهم بالجواز بأن الأصل في العقود الحِل والإباحة، وأن ما ذكر من عمولات يحصل عليها المشتري قد تصل إلى أكثر من أربعين ألفا إنما هي مبنية على حق السمسار، وهو الوسيط بين البائع والمشتري، فهي مقابل سمسرة، هذه العمولات مقابل سمسرة، قالوا: وأخذ العمولة مقابل السمرة جائز شرعًا، وكون نصيبه يزيد بزيادة عدد المشترين لا مانع منه، لأن الأصل هو صحة العقود إذا سلمت من الغرر والمخاطرة والربا، إذن هذه وجهة أصحاب هذا القول، فمعتبر أن هذه العمولات مقابل سمسرة، وهذا يشتري منتج والأصل في العقود الصحة، فما المانع من صحة هذا التعامل. وأما زيادة المبلغ، فقالوا: بسبب زيادة أعداد المشترين، فنزيد قيمة هذه السمسرة. وأما من قيد الجواز بأن تكون هذه المنتجات تحتوي على خدمات حقيقية وليست صورية فقال: لأنها إذا كانت صورية، فإنه يرد عليها عدة محاذير شرعية من الربا والغرر وغيره، وأما من قيد ذلك بالشرطين: بأن تكون الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وأن يكون المشتري راغبا في ذلك، فقال: لأن هذه العمولات تكيف على أنها هبة إذا تحقق هذان الشرطان، يعني هذه العمولات إذا تحقق هذان الشرطان تعتبر هبة من الشركة، فإذا كانت الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وكان المشتري راغبا في شراء المنتج، فإن ما زاد على ما أُعطي المشتري بعد ذلك يُعتبر هبة من الشركة، والواقع أن هذا التقيد مؤداه للقول الأول؛ لأن الشركة في الواقع لا تبيع المنتج بسعر السوق. فالقائل بهذا القول بناءً على هذا يلزمه بأن يقول بالمنع، فيكون مؤدى هذا التفصيل هو القول الأول. إذن هذه هي وجهة القائلين بالجواز على التفصيل الذي أوردناه. وأما القائلون بالمنع فقد صدر في هذا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأجابت إجابة مفصلة بتاريخ الرابع عشر من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين للهجرة، فتوى رقم اثنين وعشرين ألف وتسعمية وخمسة وثلاثين، ذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة المفتي إلى: أن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك لأن مقصود المعاملة هو العمولات، وليس المنتج، المقصود هو العمولات وليس المنتج، وهذه العمولات قد تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران، فإنه سيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، الواقع أن المنتج الذي تسوقه هذه الشركات هو مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولهذا فإن أكثر المشترين إن لم نقل جميع المشترين لهذا المنتج، الذي هو مثلًا في شركة هبة الجزيرة أسطوانة، إنما قصدهم العمولات والمكافآت، وليس قصدهم الانتفاع بهذا المنتج، ولهذا نجد أن منهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده جهاز الحاسب أصلًا، ومنهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده اهتمام بالعلم الشرعي، بل قيل إن من المشترين من يشتري هذا المنتج وهو لا يتحدث باللغة العربية لأنه الغرض هو الحصول على العمولات، بل قيل إنه أيضًا إن منهم من ليس بمسلم أصلًا، وبعضهم يشتري هذا المنتج ويُعطيه غيره، ولا يعبأ به، وأيضًا بعضهم يشتري عددا كبيرًا من هذا المنتج، حتى ذكر أن أحدهم اشترى بأكثر من مائتي ألف، معلوم أنه تكفيه أسطوانة واحدة في منتج واحد، فماذا يفعل بهذا العدد الهائل من الأسطوانات، وبهذا نعرف بأن الهدف الحقيقي للمشتركين في هذه الشركات إنما هو الحصول على هذه العمولات وهذه المكافآت التي تصل إلى آلاف مؤلفة، وإذا كان ذلك كذلك فإن هذا التعامل أو حقيقة هذه المعاملة أنها محرمة لوجوه: الوجه الأول: أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، المشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العامين ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، ولا تأثير له في الحكم؛ ولهذا فإن هذا المنتج يُباع مثلًا بخمسمائة ريال بينما قيمة السوقية - وليس ما تدعيه الشركة - أقل من هذا بكثير، وبناء على أن الشركة لا تحتفظ بحقوق يعني أنها تسمح بالنسخ فربما يصل إلى عشرة ريالات أو أقل، وإذا تتجاوزنا فربما نقول أنه يصل إلى مائة ريال، فيكون المبلغ المتبقي يتناول الربا، يعني أربعمائة ريال مثلًا أو أكثر، يدفعها الإنسان ويحصل مقابل هذا المبلغ على أضعاف مضاعفة، هذا هو الربا الفضل وأيضًا يجتمع معه ربا النسيئة لأن فيه تأخير، وأيضًا من المحاذير التي اشتملت عليها هذه المعاملة أنها من الغرر المحرم شرعًا. لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ وهذا التسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم، هل سيكون في الطبقات العليا فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا. والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة، فالغالب هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الغرر. المحذور الثالث مما اشتملت عليه هذه المعاملة: أكل أموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة، ومن ترغب إعطاءه من المشتركين، بقصد خداع الآخرين، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ولهذا نجد أن بعض الدول الغربية منعت هذا التعامل إذا كان بدون منتج، فعملت هذه الشركات واحتالت ووضعت هذا المنتج ليكون غطاءًا وستارًا؛ ليحميهم من الملاحقة القانونية في بلاد الغرب، ثم انتقل إلى بلاد المسلمين بهذا التصور. رابعًا: اشتملت أو تشتمل هذه المعاملة على الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج، وكأنه هو المقصود في المعاملة، والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعملات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا في الحقيقة من الغش المحرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا فهذا النوع من التسويق في الحقيقة يصنف من حيث المبدأ ضمن صور الغش والاحتيال التجاري، وقد تناولت كتبٌ ودراسات وأبحاث تحذر من هذه الشبكات، والوهم والتغرير التي توقع أتباعها، وتأتيهم من جهة الطمع، وتجعلهم يحلمون بالثراء السريع، مقابل مبالغ محدودة يبذلونها، وهي في نهاية الأمر تصب في جيوب أصحاب هذه الشركات والمنظمات، ولا يحصد الأتباع سوى السراب. ولذلك كما أشرنا هناك قوانين في العديد من دول العالم، التي تمنع من التنظيم الهرمي، أو التسويق الهرمي، بشكل أو بآخر. وعلى سبيل المثال، هيئة الأوراق المالية بباكستان، حذرت الناس من التعامل مع شركة بزناس العاملة هناك، وقالت في تحذيرها: إن الشركة المذكورة تطلع بممارسات غير مشروعة وتحايلية وغير أخلاقية، كما أن هناك شركة شبيهة بشركة بزناس تعمل في نفس المجال اسمها سكايبز، وهي مقرها الولايات المتحدة، ولها فروع في العالم، هذه الشركة قد رفعت وزارة التجارة الأمريكية ضدها قضية، تتهمها بالغش والاحتيال على الناس، رفعت وزارة التجارة الأمريكية قضية ضدها بتهمة الغش والاحتيال على الناس، وصدر قرار المحكمة بإيقاف عمليات الشركة وتجميد أصولها تمهيدًا لإعادة الأموال إلى العملاء، وهي شبيهة بشركة بزناس. فإذًا إذا كان هذا عند دول الغرب أنهم يصنفون هذه الشركات من شركات الغش والاحتيال التجاري، لا شك أن شريعة الإسلام تمنع مثل هذا، بل هي أولى بأن تمنع هذه الطرق وهذه الأساليب، التي تقوم في أساسها على الغش وعلى الاحتيال التجاري. هذه هي وجهة أصحاب هذا القول، وكما ترون أدلة هذا القول قوية، وظاهرة جدا، لهذا فإن هذا القول هو الراجح والله تعالى أعلم في هذه المسألة، وهو تحريم هذا النوع من الشركات، وهذا النوع من التعامل، لهذه الوجوه التي ذكرناها. والذي يظهر لي أن سبب الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الخلاف في قيمة المنتج الذي تسوقه الشركة، الشركة تدعي أن قيمة هذا المنتج 500 ريال مثلا ولكن قيمته الحقيقية السوقية أقل من هذا، أقل من هذا بكثير، والعبرة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، انتبهوا إلى هذه النقطة. العبرة في الحقيقة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، ولهذا إذا كانت الشركة جادة فلتضع هذا المنتج في الأسواق، وتنظر كم تساوي قيمته. ولا يعقل أن أسطوانة واحدة تصل قيمتها 500 ريال، وعلى كل حال لو كانت قيمته السوقية تصل إلى هذا لكان هذا مقبولا، ولكان القول بأن ما زاد على ذلك مقابل هبة أو سمسرة، قد يكون مقبولا، ولكن الإشكال هو في هذه النقطة، أن القيمة الحقيقية السوقية لهذا المنتج لا تصل لما تباع به في الأسواق، فترد هذه المحاذير. والقائلون بالجواز يقولون: إن قيمة هذا المنتج هذه هي قيمته السوقية، ولكن هذا ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، ولهذا أجاب أصحاب القول الأول، وهم قائلون بالمنع، على القائلين بالجواز بأن هذه العملات مقابل السمسرة قالوا بأن هذا غير صحيح، إذ أن السمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع السلعة، هذه هي حقيقة السمسرة، عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، وأما التسويق الشبكي، فإن المشترك في الحقيقة هو الذي يدفع الأجر، هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، خلاف التسويق الشبكي، فإن المقصود هو تسويق العملات وليس المنتج، تسويق العملات وليس المنتج، فالفرق إذًا بين السمسرة وبين التسويق الشبكي ظاهر. وأما القول بأن هذه العملات من قبيل الهبة فلا يسلم أيضًا، ولو سُلِمْ فليس كل هبة جائزة، لو سلم بأن هذه العملات من قبيل الهبة ليس كل هبة جائزة، فمثلًا الهبة على القرض ربا، كل قرض جر نفعا فهو ربا الهبة على قرض قبل الوفا فإنها تكون ربا، أو الهبة بعد الوفا المشترطة تكون ربا، وكذلك أيضًا هدايا وهبات العمال غلول، وهبة الموظف لرئيسه في العمل محرمه. فليس إذًا كل هبة تكون مباحة. وهذه العملات إنما وجدت في الحقيقة لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من أسماء سواء كانت هدية أو هبة أو غير ذلك فلا يُغير ذلك من حقيقتها شيئًا، والحاصل أن هذا النوع من التعامل أنه يشتمل على محاذير من الناحية الشرعية. وإذا كانت بعض الدول غير المسلمة تمنع منه فالأولى أن يمنع مثل هذا التعامل في المجتمعات الإسلامية، إذ أنه يقوم في الأساس على الغش والتغرير والخداع وإغراء الناس ببذل مبلغًا زهيدا والحصول مقابل ذلك على أرباح كبيرة. فتقوم هذه الشركات في الأساس على هذه الفكرة. ثم أيضًا أي إنسان عاقل يعتقد أنه لا يمكن أي إنسان عاقل إذا تأمل هذه المعاملة فإنه سيدرك أنه لا يمكن لشركة تجارية هدفها الربح أن تبيع منتجا بمائة ريال أو خمسمائة ريال وتهب الناس هبة لوجه الله تعالى، وهذه الهبة تصل إلى أكثر من 42 ألف وخمسمائة ريال، هل هذا معقول؟ أي إنسان يدرك بعقله وفطرته أن هذا غير ممكن؛ لأن هذه شركة تجارية هدفها الربح، فحينئذ لا تكون هذه الهبات هبات محضة تريد منها هذه الشركة الثواب والأجر من الله عز وجل والإحسان إلى الناس، فإن هذا ليس بخُلق لمثل هذه الشركات. ولهذا فإن مثل هذه العملات تشمل شيئًا من التغرير والخداع والالتفاف واللعب على الناس حتى تحصل من ورائهم على الأموال الكبيرة والمبالغ العظيمة، ويبقى هذا المشترك ينتظر ما وعد به من هذه الأرباح وهذه الألوف المؤلفة التي ربما يحصل عليها أول المشتركين وهم فئة قليلة ربما لا تصل إلى عشرة بالمائة، وأما بقية المشتركين فإنهم لا يحصلون على شيء، ولهذا نقول إن هذا نوع من التعامل وهذه الشركات قائمة على الغش والتغرير والخداع فهي محرمة شرعًا. وما ظنك بشركات ولدت ونشأت وترعرعت في بيئات كافرة تقوم في أساسها على الربا والميسر، هل تظن أن مثل هذه الشركات تكون تأتي إلى المجتمعات الإسلامية وتكون موافقة للشريعة الإسلامية، ولهذا ينبغي يعني على طلاب العلم الحذر عندما ترد مثل هذه الشركات وهذا النوع من التعاملات، وعدم الاستعجال في الفتيا فيها إلا بعد التأمل والنظر. بعض الأخوة يتعجل في الإجابة، ومثل هذه الشركات تفرح بمثل هذه الفتاوى وهذه الإجابات وتبرزها، وربما نشرتها في الصحف وبينت أن تعاملها أنه شرعي وجعلت هذه الفتوى دعاية لهذه الشركة. وهذا يؤكد ما ذكرناه في أول درس من أهمية الفتوى الجماعية في النوازل وفي القضايا المعاصرة؛ لأنها أقرب إلى التوقيف وإلى إصابة حكم الله ورسوله من الفتوى الفردية التي ربما يفوت المفتي فيها يعني بعض الأمور أو ينقصه بعض التصور.
-
عقود التوريد وعقود المناقصات والمزايدات بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: حديثنا في هذا الدرس سيكون -إن شاء الله- عن عقود التوريد وعقود المناقصات والمزايدات، وقبل أن نبدأ بعقود التوريد التي يرد فيها إشكالات كثيرة وتساؤلات خاصة عند من يتعامل بتوريد البضائع والسلع حيث يقع العقد على ما لا يتم تملكه في كثير من الأحيان، وهنا ترد هذه الإشكالية، فيكون المورد لا يملك البضاعة، ويعقد مع صاحب المحل، فيكون قد باع ما لا يملك، بل إن هذا لا يختص بالتوريد، بل حتى بعض أصحاب المحلات عندما يتعاملون مع الزبائن ترد هذه الإشكالية، وهو أنهم قد يبيعون ما لا يملكون، ولهذا سوف نبحث هذه المسألة من التكييف الفقهي لعقود التوريد ، وسوف نذكر البدائل والمخارج الشرعية لهذه الإشكاليات الواردة في هذه العقود، ولكن قبل أن نبدأ في الحديث عن عقود التوريد لا بد من الإشارة ولو بشيء من الاختصار إلى عقود سوف نحيل عليها عندما نتكلم عن التكييف الفقهي لعقود التوريد سوف نحيل على عقدين مهمين هما: عقد السلم، وعقد الاستصناع، فلا بد أن نعرف حقيقة السلم، وحقيقة الاستصناع، وشروطهما، حتى إذا أحلنا عليهما تكون الإحالة إلى أمر واضح ومعروف مسبقا. فنبدأ بالحديث عن السلم، ثم الاستصناع، ثم بعد ذلك ننتقل للتكييف الفقهي لعقود التوريد، فنأخذ نبذة مختصرة عن السلم، نقول السلم: في اللغة: مأخوذ من التسليم والإسهام، ويقال له: السلف، بالفاء، واشتهر في بعض كتب الفقه هذه المقولة، وهي أن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق تجدون في كثير من كتب الفقه هذه العبارة: السلم لغة أهل الحجاز، والسلف - بالفاء - لغة أهل العراق ولكن عندما نتأمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد أهلها وهم يسلفون - بالفاء - ثمار السنة والسنين، ويعرف الفقهاء السلم بأنه: "عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد". ولنضرب مثالا نشرح به التعريف، نشرح على ضوئه التعريف: أتى رجل إلى آخر وقال له: خذ هذه عشرة آلاف ريال، أسلمت لك هذه العشرة آلاف ريال نقده عشرة آلاف ريال، على أن تعطيني بها مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في منتصف شهر رجب من هذا العام أو من العام المقبل مثلا. أعطاه عشرة آلاف ريال وقال على أن تعطيني مائة كيلو تمر من النوع السكري سلمها لي في وقت كذا في منتصف شهر رجب مثلا من هذا العام أو من العام المقبل، هذا يعتبر سلما، إذا أردنا أن نطبق هذا على التعريف، عقد على موصوف في الذمة، موصوف في الذمة يعني تمر، تقول: تمر من النوع السكري هنا، هذا موصوف في الذمة، ولا تقل: هذا التمر، أو تمر من المزرعة الفلانية، أو من هذه المزرعة، هذا لا يصلح موصوفا في الذمة، الموصوف في الذمة تقول: تمر من نوع كذا، ولا تحدد من أي مكان، وإنما هو في ذمتك تأتي به من أي مكان. "عقد على موصوف في الذمة مؤجل" لأنه لا بد أن يكون السلم مؤجلا فلا يصح أن يكون حالا، لأنه إذا كان حالا أصبح بيعا. "بثمن مقبوض في مجلس العقد" يعني لا بد أن يكون رأس مال في السلم، وهو في هذا المثال عشرة آلاف ريال، لا بد أن تسلم في مجلس العقد، وهذا في الحقيقة سيأتي الكلام عنه، وهو من أهم شروط السلم، يعني لا بد أن أعطيك العشرة آلاف الآن على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا في وقت كذا، أسلمها لك العشرة آلاف الآن، إذا لم أسلمها لك الآن تصبح المسألة من قبيل بيع الدين بالدين فيقع في الربا. طبعا السلم مشروع بإجماع - قبل أن نتكلم عن الشروط - نقول: السلم مشروع بإجماع العلماء، يسميه بعضهم بيع المحاويج، لأنه في الغالب يلجأ إليه الفقراء، وهو مشروع بإجماع العلماء، ورد بذلك الحديث الذي ذكرناه في الصحيحين، حديث ابن عباس قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد أهلها يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم . أما شروط صحة السلم فيشترط له شروط البيع، ويضاف لها سبعة شروط، نذكرها على سبيل الاختصار: الشرط الأول: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته، كالمكيل والموزون والمزروع ونحو ذلك، وإذا قلنا: المكيل والموزون، هذه العبارة تتردد في كتب الفقه والحديث كثيرا مكيل وموزون، ما الفرق بين المكيل والموزون؟......، يعني المكيل هو: تقدير الشيء بالحجم، والموزون تقدير الشيء بالثقل. فمثلا هذا الصاع، أقول: إذا ملأت هذا الصاع بتمر أو قمح، أقول: هذا صاع تمر، هذا صاع بر، هذا صاع يعني كذا من الحبوب، وأما الموزون تقدير الشيء بالثقل، معنى ذلك أن المكيل قد أضع فيه تمرا من النوع الثقيل وقد أضع فيه تمرا من النوع الخفيف، وقد أضع فيه برا من النوع الثقيل وقد أضع فيه برا من النوع الخفيف، فيكون أيهما أدق، الكيل أو الوزن؟ الوزن أدق بكثير، ولهذا ترك الناس في هذا الزمان الكيل، ما في حدا الآن يتعامل بالكيل، لأن الوزن أدق من الكيل، حتى في الأشياء المكيلة مثل التمور مثلا، أو مثل الحبوب، أصبح الناس الآن يزنونها وزنا، وإن كانوا يسمونها كيلا لكن هو في الحقيقة وزن، ولذلك زكاة الفطر وردت في الشرع بالكيل "صاع" والناس يتعاملون بالوزن ، ولهذا عند تحويل الكيل إلى وزن لا بد من الاحتياط، لا بد من احتياط التقدير، لماذا؟ لأن مثلا صاع من الأرز مثلا في زكاة الفطر عندما تريد تحويلها إلى كيلو جرامات قد تضع مثلا في هذا الصاع من النوع الثقيل، وقد تضع من النوع الخفيف، وهكذا من البر، وهكذا من التمر فيختلف الوزن، قد يكون مثلا وزن هذا الصاع كيلوين وأربعين جرام، قد يكون كيلوين ونصف، قد يكون أكثر، ولهذا ينبغي الاحتياط في التحويل، ولهذا مشايخنا قال: إن الصاع يقدر بثلاثة كيلو جرامات تقريبا، ولا بد من ضابط لكلمة تقريبا لأنه لا يمكن أن تحول الكيل إلى وزن على وجه دقيق بل لا بد من شيء من الاحتياط، لأن هذا الشيء الذي يوضع في هذا الصاع قد يكون ثقيلا وقد يكون خفيفا فهو يختلف. هذه فائدة وردت معنا أحببنا أن نشير لها هنا، وهي في الحقيقة فائدة مهمة خاصة فيما يتعلق بتحويل المكيل إلى موزون. فنقول الشرط الأول: أن يكون السلم فيما يمكن ضبط صفاته، إما بكيل وإما بوزن وإما بزرع وإما بغير ذلك، أما إذا كان لا يمكن ضبط صفاته فإنه لا يصح السلم فيه. والواقع أنه في الوقت الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع، بل إننا نجد في كتب الفقه بعض الأمثلة التي ذكرها الفقهاء وقالوا إنه: لا يصح السلم فيها؛ لكونها لا تنضبط صفاتها لأنها في زمنهم لا يمكن ضبط صفاتها، أما في وقتنا الحاضر فيمكن ضبط صفاتها بدقة متناهية، وأضرب لهذا مثالا، مثال القدور، لما قال الفقهاء: إنه لا يصح السلم في القدور؛ لأنها لا يمكن ضبط صفاتها، هذا قد يكون قدرا كبيرا وهذا صغيرا وهذا واسعا وهذا ضيقا، لكن في الوقت الحاضر يمكن ضبط القدور بدقة، بأن تذكر الشركة والبلد والرقم، وبذلك يمكن ضبط القدور بدقة متناهية حتى، ولهذا فهذا المثال نجده مثلا في كتب الفقه، ولكن لا بد أن ينظر طالب العلم إلى أن هذا المثال الذي ذكره الفقهاء بناء على ما هو موجود في زمن الفقهاء قديما، لأنه لا يمكن ضبط مثلا هذا المبيع في زمنهم، لكن في وقتنا الحاضر أصبح يمكن ضبط كثير من السلع بدقة كبيرة، إذن هذا هو الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا، يعني لا بد من ذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا، فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته أو قدمه، وغير ذلك من الصفات التي يختلف بها الثمن ظاهرا، يعني مثلا لو كان يريد أن يسلم في السيارات لا بد أن يذكر نوع هذا السيارة، لونها، الموديل، الشركة المصنعة، إلى غير ذلك من الأمور التي يختلف بها الثمن اختلافا ظاهرا. الشرط الثالث: ذكر قدر المسلم فيه، فلا يصح السلم بدون ذكر قدره، وهذا الشرط محل اتفاق بين العلماء، لا بد إذن أن يذكر قدره. الشرط الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، وبناء على ذلك لا يصح أن يكون السلم حالا، ففي مثالنا السابق لو قلت لك: هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلم لي الآن مائة كيلو تمر من نوع كذا، فيكون هذا يعتبر بيعا، ويكون هذا قد باع لي ما لا يملك، وقد اختلف العلماء في هذا الشرط، فالجمهور على أنه لا بد من ذكر أجل معلوم، جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة قالوا: لا بد من ذكر أجل معلوم، واستدلوا بظاهر السابق والقول الثاني: هو مذهب الشافعية أنه لا يشترط هذا الشرط، بل يصح أن يكون السلم حالا، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المسلم فيه موجودا في ملكه، وهذا هو القول الصحيح في المسألة، ففي مثالنا السابق يعني لو قال: عطى عشرة آلاف ريال، قال: خذ هذه عشرة آلاف ريال على أن تسلمني هذه البضاعة أو هذه السلعة الآن، وكان هذا الشخص له مؤسسة كبيرة ولها فروع في عدة مناطق ويملك هذه البضاعة، فعلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يصح هذا، وإن كان على الجمهور لا يصح، لكن على القول الثالث وهو الذي اختاره شيخ الإسلام يصح وهو القول الصحيح، لأنه الإشكال في ما إذا كان السلم حالا هو أنه قد يبيع ما لا يملك، لكن إذا اشترطنا هذا الشرط فقلنا: بشرط أن يكون المبيع في ملكه زال هذا المحظور، والأصل في المعاملات الحل والإباحة، فيكون القول الصحيح في هذا الشرط أنه يصح أن يكون السلم حالا بشرط أن يكون المبيع في ملكه. الشرط الخامس: أن يوجد المسلَم فيه غالبا في وقت حلول أجله، يمكن تسليمه في وقته، ومثل الفقهاء لهذا قالوا: فإذا أسلم مثلا في رطب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، أما إذا أسلم في رطب في الشتاء فإن هذا لا يصح؛ لأن الرطب لا يوجد في الشتاء، أو أسلم في عنب فلا بد أن يكون في الصيف ولا يكون في الشتاء، وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا الشرط خلافا. الشرط السادس - وهو في الحقيقة أهم الشروط: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد، قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، لأنه إذا لم يقبض الثمن في مجلس العقد أصبح من قبيل بيع الدين بالدين، وهو محرم بالإجماع، وهذا الشرط هو في الحقيقة من أهم الشروط، وهو الذي يحصل به الإخلال الآن عند من يريدون تطبيق السلم، فعندما أعطيك عشرة الآف ريال على أن تسلم لي هذه البضاعة من نوع كذا في وقت كذا، لا بد أن أسلم لك الآن عشرة آلاف ريال كاملة أنقدها لك الآن، فإن لم يحصل نقد رأس مال السلم الآن أصبحت المسألة من قبيل بيع الدين بالدين، كيف من قبيل بيع الدين بالدين؟ يعني المسلم فيه أصلا دين سلمه لي فيما بعد، ربما بعد سنة أو سنتين أو ثلاث، فإذا أيضا أصبح رأس المال دينا لم أسلمه لك الآن أصبحت المسألة كلها من قبيل بيع الدين بالدين، وهذا لا يجوز، فلا بد إذن من تسليم رأس مال السلم كاملا، وهذا الشرط متفق عليه في المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، إلا أن المالكية أجازوا تأخير تسليم رأس المال ثلاثة أيام، ورأوا أن ثلاثة أيام مما تتسامح فيها الشريعة، كما في حديث: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث نهى أن تحد المرأة على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام لا يحل للمهاجر أن يبقى بعد طواف الصدر أكثر من ثلاثة أيام إلى غير ذلك من النصوص، فكأن المالكية رأوا أن ثلاثة أيام مما يتسامح فيه الشرع، فأجازوا تأخير تسليم رأس مال السلم إلى ثلاثة أيام فقط، أما بعد ثلاثة أيام فباتفاق العلماء أنه لا يجوز تأخير تسليم رأس مال السلم، وقد أخذ بهذا المجمع الفقهي أخذوا برأي المالكية في المسألة، ورأوا أن هذا فيه توسعة على الناس خاصة في السلع الكبيرة، فقد يتعذر تسليم رأس المال في نفس الوقت، فأخذ المجمع الفقهي برأي المالكية وقالوا: إن فيه توسعة على الناس وخاصة في الوقت الحاضر الذي ربما يتطلب السلم تأخير رأس المال قليلا. الشرط السابع: أن يسلم في الذمة، أي: أن يكون المسلم فيه غير معين، أما إذا كان معينا فإنه لا يصح، فمثلا في مثالنا السابق يقول: خذ هذه عشرة الآف ريال على أن تسلم لي مائة كيلو تمر من نوع كذا، تسلمها لي في وقت كذا، ولا يقول: مائة كيلو تمر من هذه المزرعة أو من هذا البستان؛ لأنه إذا قال ذلك فإنه ربما لا تثمر - يعني - النخيل في ذلك العام، ربما لو أسلم في الثمار من هذا البستان أو هذه المزرعة ربما لا تثمر، ربما تتلف، ولذلك لا بد أن يكون في الذمة، ولا يصح أن يكون معينا، لا بد أن يكون السلم في الذمة، ولا يصح أن يكون شيء معينا. هذه هي شروط صحة السلم وسوف نرجع ونطبقها إن شاء الله على عقود التوريد، لكن نريد أيضا أن نأخذ نبذة مختصرة عن عقد الاستصناع. فنقول: الاستصناع معناه في لغة العرب: طلب صناعة الشيء، واستصنع الشيء أي دعا إلى صنعه، ومعناه في اصطلاح الفقهاء: "أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق المواصفات المحددة بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك" التعريف مرة اخرى: "أن يطلب إنسان من آخر شيئا لم يصنع بعد ليصنع له طبق مواصفات محددة بمواد من عند الصانع مقابل عوض محدد ويقبل الصانع بذلك" ويلاحظ في هذا التعريف أن العقد يقع على ما سيصنعه الصانع، فالعين والعمل من الصانع جميعا، أما إذا كانت العين من المستصنع وليست من الصانع فإن العقد في الحقيقة يكون إجارة لا استصناعا، يوضح هذا بمثال: لو ذهبت لخياط وطلبت منه أن يفصل لك ثوبا والقماش من الخياط هذا يعتبر استصناعا، قلت له ممكن تفصل لي ثوبا من قماش كذا تسلمه لي في وقت كذا هذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنك أتيت بقماش وأعطيته إياه وتريد مثلا أن تخيط لي ثوبا من هذا القماش، فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة، فإذا كانت المواد والعمل من عند الصانع فإنه يعتبر استصناعا، أما إذا كانت المواد من عند المستصنع فإنه يعتبر إجارة، ولا يعتبر استصناعا. مثال آخر: رجل طلب من مقاول أن يبني له بيتا، والمواد من عند المقاول فهذا يعتبر استصناعا، لكن لو أنه طلب من هذا المقاول أن يبني له بيتا وتعهد له بأن يحضر له مواد البناء فإن هذا لا يعتبر استصناعا وإنما يعتبر إجارة. إذا هذا العقد بهذا المعنى الذي ذكرناه منع منه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلا إذا توفرت فيه شروط السلم، جميع شروط السلم ومنها: تسليم رأس المال كاملا في مجلس العقد، وبناء على ذلك على رأي الجمهور لو ذهبت تخيط ثوبا لا بد أن تنقد الخياط رأس المال كاملا وإلا ما صح، وهكذا بالنسبة للمقاول في بناء البيت وسائر - يعني - ما يمكن أن يمثل به بهذا العقد. والقول الثاني في المسألة وهو مذهب الحنفية: أن عقد الاستصناع عقد مستقل متميز عن السلم وليس نوعا من السلم حتى نشترط فيه جميع شروط السلم، وإنما هو عقد مستقل متميز عن السلم بمسائله وأحكامه، ولا يشترط فيه تسليم رأس المال بل يجوز تأجيل رأس المال كله أو بعضه، وقول الحنفية في هذه المسألة هو الراجح، وهو الذي عليه عمل المسلمين من قديم الزمان، بل قال بعض العلماء: إنه يشبه أن يكون هذا إجماعا عمليّا من المسلمين على الاستصناع، ولو أخذنا بقول الجمهور في المسألة للحق الناس حرج كبير في الحقيقة، وإذا أردت أن تخيط الثوب لا بد أن تنقد جميع الثمن للخياط، لو أردت أن تبني عمارة لا بد أن تنقد جميع الثمن للمقاول، أردت أن تستصنع مثلا بابا أو - أي سلعة - لا بد أن تنقد جميع رأس المال، يعني تسلم رأس المال مقدما كاملا، وهذا فيه حرج كبير على الناس في الحقيقة، بل لا يسع الناس في الوقت الحاضر إلا قول الحنفية في المسألة، وكما ذكرنا يشبه أن يكون - يعني - الإجماع العملي من المسلمين على رأي الحنفية في هذه المسألة، وعلى هذا قرر المجمع الفقهي الإسلامي الأخذ بقول الحنفية في هذه المسألة، لأن القول أيضا بأنه نوع من السلم ولا بد أن تشترط فيه شروط السلم لا دليل عليه في الحقيقة، ليس عليه دليل ظاهر ويلحق الناس بسببه حرج كبير ولو أراد شخص أن يذهب إلى خياط مثلا وكان حنبليا مثلا أو شافعيا فلا بد أن ينقد الثمن كاملا وإلا ما صح هذا العقد لابد أن ينقد الثمن كاملا عندما يبني بيتا عندما يستصنع أية سلعة لكن قول الحنفية كما ذكرت يعني فيه شيء من التوسعة على المسلمين وعليه عمل المسلمين من قديم الزمان والحمد لله، فيكون القول الراجح في هذه المسألة القول بجواز الاستصناع وأنه عقد مستقل عن السلم، ومما استدل به لهذا ما جاء في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتم من ذهب، فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه فنبذه، فنبذه الناس ثم أصبح عليه الصلاة والسلام يتخذ خاتما من فضة، ولهذا يجوز لبس الخاتم من فضة، أما الذهب فإنه محرم على الرجال، وأما الفضة فإنه يجوز، وهل يقال: إنه مستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لبس خاتم الفضة؟ الصحيح في هذه المسألة أنه إذا كان الإنسان يحتاج إلى خاتم من فضة لختم ونحوه كأن يكون قاضيا فإنه يكون لبس الخاتم في حقه مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا، فإذا كان مثلا قاض يحتاج إلى لبس الخاتم يكون هذا يكون الخاتم مثلا عليه ختمه فإنه يكون مستحبّا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لبس الخاتم كان منقوشا عليه محمد رسول الله، يحتاج أن يختم بهذا الخاتم الكتب والرسائل التي يرسلها إلى رؤساء وملوك العالم، فإذا كان مثلا يحتاج إلى هذا الخاتم كأن يكون قاض فيكون مستحبا، أما إذا كان لا يحتاج إليه فإنه يكون مباحا لكن بشرط أن يكون من الفضة لا من الذهب، ومحل الشاهد من هذا الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتما فدل ذلك على مشروعية الاستصناع، وأما ما فيه من الجهالة والغرر فإنه مغتفر بجانب المصلحة الكبيرة، وهكذا فإن السلم أيضا فيه جهالة وغرر إلا أن هذا الغرر مغتفر بجانب المصالح المترتبة عليه، ونجد أن الشريعة تبيح بعض الأشياء التي فيها غرر وجهالة إذا كانت المصالح المترتبة عليه كبيرة، فالسلم والاستصناع فيهما شيء من الغرر والجهالة فإنه يعتبر بيع معدوم ولكن أبيح ذلك لما فيه مما يترتب عليه من المصالح الكبيرة، كما أن الشريعة مثلا أباحت بيع العرايا مع أنه بيع رطب بتمر، والأصل فيه المنع مع التفاضل إلا أن الشريعة أباحته لما في ذلك من المصالح الكبيرة. فالاستصناع يكون من هذا الباب، ويفترض في عقد الاستصناع تحديد مواصفات الشيء المطلوب صناعته تحديدا دقيقا يمنع من التنازع، وذلك يكون بذكر الصفات التي يختلف بها الثمن، فيذكر جنس المستصنع ونوعه وقدره وأوصافه المطلوبة، وكذلك أيضا يشترط تحديد الأجل قطعا للنزاع ولا يشترط في عقد الاستصناع تعجيل الثمن، هذا لاحظ أن هذا الشرط في السلم لكن في الاستصناع ليس بشرط، ففي الأمثلة السابقة التي ذكرنا مثلا عندما تذهب إلى الخياط لا يشترط أن تسلم له الثمن، فإذا سلمت له الثمن أو سلمت بعضه أو أجلته كله جاز ذلك على القول بجواز الاستصناع وهو الصحيح، وهل يجوز الشرط الجزائي في الاستصناع، الشرط الجزائي وهو: أخذ غرامة مقابل التأخير، والصحيح في الشرط الجزائي أنه لا بأس به، وقد بحث الشرط الجزائي مجلس هيئة كبار العلماء قديما وأصدر فيه قرارا بالجواز في غير الديون، وهكذا مجمع الفقهي الإسلامي أيضا أصدر فيه قرارا بجوازه لكن في غير الديون، أما الدين فإنه لا يجوز الشرط الجزائي فيه؛ لأنه يجعله كربا الجاهلية إما أن تقضي وإما أن تُربي، نقول مثلا: تطلب آخر دينا ثمن مثلا بضاعة فلما حل الدين قلت له: إذا تأخرت عن السداد أحسب عليك شرط جزائي وهو مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير فهذا محرم بل هو ربا الجاهلية الصريح إما أن تقضي وإما أن تربي، لكن الشرط الجزائي في غير الديون كما لو كان في عقد الاستصناع لا بأس به، فمثلا تقول تتفق مع مقاول يبني لك بيتا خلال ستة أشهر، وتتفق معه على أنه إن تأخر عن الستة أشهر يدفع لك غرامة قدرها مثلا مائة ريال عن كل يوم تأخير، هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في عقد الاستصناع لا بأس به اتفق مع شخص أن يورد لك سلعة وهي مما يستصنع ووضعت عليه شرطا جزائيا قلت: على أن تدفع غرامة قدرها كذا عن كل يوم تأخير هذا لا بأس به فالشرط الجزائي في غير الديون لا بأس به أما في الدين فإنه محرم. هذه نبذة مختصرة عن عقدي السلم والاستصناع.