اذهب إلى المحتوى

Recommended Posts

بتاريخ:

الكساد الكبير أو ما يعرف بـ The Great Depression هو أسوأ كارثة اقتصادية عالمية عرفها التاريخ ، وقد حدث خلال فترة الثلاثينات من القرن الماضي ، وشكل اصعب وأطول فترة من البطالة والفقر تمر بها الدول الصناعية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .. وعلى الرغم من ان الكساد الكبير بدأ قبل ستة اشهر ، الا ان انهيار اسواق المال في وول ستريت في اكتوبر من عام 1929م شكل البداية الفعلية لفترة الكساد التى امتدت لعقد من الزمن .. 40% من قيمة الأسهم المسجلة في البورصات الأمريكية تبخرت في الهواء وتبخر معها احلام الملايين الذين دخلوا أسواق المال طامعين في بناء الثروة . البنوك والمصانع والمتاجر اغلقت ابوابها وسرحت العاملين بها لتخلف الملايين من الشعب الأمريكي تحت وطآة البطالة والتشرد ، والاعتماد على المنظمات الخيرية لتزودهم بقوتهم اليومي

وتعود فصول قصة الكساد الكبير الى منتصف العشرينات من القرن الماضي وتحديدا في عام 1925م عندما بدأت اسواق الاسهم في الولايات المتحدة بالاتفاع الكبير حتى بلغت قمتها في عام 1929م ، وشجعت الارتفاعات الكبيرة والمتلاحقة عامة الشعب في الدخول الى البورصات وشراء الاسهم طمعاً في تحقيق أرباحاً طائلة .. ولكن يوم الثلاثاء 24 اكتوبر والذى سمي فيما بعد بالثلاثاء الأسود كان بداية الانخفاض الحاد في اسواق الاسهم الأمريكية ، بعدها استقرت الأسواق لعدة ايام ، وفى يوم الخميس الأسود الموافق للتاسع والعشرين من شهر اكتوبر عادت موجة قوية من البيع المتسارع واقبل الجميع على بيع كل شيء ، حتى بلغ عدد الأسهم المعروضة للبيع رقما قياسياً تجاوز 16.410.000 سهم دون ان تجد من يرغب في شراءها .

أفلس الأفراد جراء خسارتهم في اسواق الاسهم ، وتبعهم الكثير من البنوك والمؤسسات المالية الى اعلان افلاسهم ، فقد الأفراد مدخراتهم واصبحوا غير قادرين على شراء احتياجاتهم الاساسية فضلاً عن الكمالية ، وكنتيجة لذلك تكدست السلع والبضائع في المتاجر والمصانع ولم تجد من يشتريها .. توقفت المصانع عن الانتاج واغلقت المتاجر أبوابها وسرحت العاملين بها ، أما المزارع فقد انخفضت انتاجيتها الى النصف ..

فقد الكثير من الناس منازلهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الاقساط البنكية .. وبحلول عام 1932م بلغت نسبة البطالة بين 25% الى 30% من حجم القوى العاملة أو بلغة أخرى 30 مليون عاطل عن العمل ، وأصبح الكثير من الأفراد والأسر بلا مأوى ، وأخذوا يجوبون المدن والولايات الأمريكية باحثين عن العمل وعن الطعام والكساء والمآوى .. وأصبحت طوابير الطعام مشهداً مألوفاً في المدن الامريكية ..

حتى بعد ان انهارات الاسواق المالية ، فان السياسيين وقادة الصناعة والاقتصاديين كانوا يصدرون تقارير متفائلة عن وضع الاقتصاد القومي الأمريكي ، ولكن الكارثة كانت اكبر من كل شيء ، فقد تبخرت الثقة وتبخر معها مدخرات الأفراد . وفي عام 1933م بلغت خسائر بورصة نيويورك أكثر من 80 % من اعلى قيمة بلغتها في عام 1929م .

وعلى الرغم من ان الكساد الكبير بدأ في الولايات المتحدة إلا انه سرعان ما انتشر في جميع انحاء العالم ، وخصوصاً في أوروبا نظراً للترابط الاقتصادي الكبير بين الولايات المتحدة والاقتصاديات الاوروبية الذى نشأ في اعقاب الحرب العالمية الأولى .. ولما كانت الكثير من الدول الأوروبية ماتزال تعاني من تبعات الحرب ووطآة الديون فقد كان الأثر مضاعفاً عند بعض الدول الأوروبية كألمانيا وبريطانيا العظمي ، حيث بلغت نسبة البطالة في المانيا اكثر من 25% ، وفى بريطانيا استمر القطاع الصناعي وقطاع الصادرات في الكساد حتى الحرب العالمية الثانية .. وخلال هذه الفترة انهارت التجارة العالمية الى النصف تقريباً ، بسبب سعى الكثير من الدول الى حماية اقتصادها ومصانعها من تدفق البضائع العالمية الأقل ثمناً ، فسعت الى فرض التعريفات الجمركية ، وتحديد حصص للواردات الأجنبية .

وعلى الصعيد السياسي ، فقد ركـــزت حملة الانتخــابات الرئاسيـه لسنة 1932 على الاسباب والحلــــــول الممكنة للخروج من الكساد الكبير .. هربرت هوفر ، الرئيس الأمريكي الجمهوري في ذلك الوقت ، كان سيء الحظ حيث حدثت كارثة الكساد الكبير بعد دخوله البيت الأبيض بحوالي ثمانيه اشهر فقط ، وظلت ادارته تكافح دون كلل للوصول الى الحلول الممكنة التى تضمن عودة عجلة الصناعة الى الحركة من جديد .. فرانكلين روزفلت ، المرشح الدبموقراطي للبيت البيض وحاكم نيويورك اثناء الأزمة هاجم الجمهوريين بشدة وأنحى باللوم على اقتصاد الولايات المتحدة الذي يتسم بالكثير من العيوب ، وذكر ان هذه الكارثة حدثت بسبب سياسات الجمهوريين خلال العشرينات .. بينما رد الرئيس هوفر بان الاقتصاد الامريكي سليم من الناحية الاساسية ، ولكنه اهتز بفعل الركود العالمي لأسباب تتعلق بتوقف المصانع عن الانتاج الحربي وتحول الكثير منها الى الانتاج الاستهلاكي .. وبذلك يكون هوفر قد ركز على العودة الطبيعية والتدريجية الى تعافى الاقتصاد دون تدخل مباشر .. في حين ركز روزفلت على استخدام السلطات الفدرالية الحكومية لإنقاذ الاقتصاد .. الانتخابات الرئاسية اسفرت عن فوز ساحق لروزفلت الديموقراطي على هربرت هوفر الجمهورى ، وبذلك استعدت الولايات المتحدة للدخول في مرحلة جديدة من التغيير السياسي والاقتصادي .

وفي عام 1933 أعلن الرئيس الجديد ، فرانكلين روزفلت ، عن برنامجه الإقتصادي المعروف باسم The NEW DEAL، واستطاع ان يحشد اكبر دعم له ، وقال في خطابه " أن الشيء الوحيد الذي يجب علينا ألا نخاف منه هو الخوف نفسه " .. وفي الواقع فان خطة النيو ديل كانت عبارة عن مجرد نوع من الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي المعروف لدى الأوروبيين منذ عدة عقود ، وكانت ايضاً بداية عصر جديد في التخلى عن مبادئ أدم سميث التى كانت تنادي بعدم تدخل الدولة في الاقتصاد ..

ما أثار دهشة المحللين والمراقبين هو السرعة التى نفذت فيها خطة النيو ديل ، والتى عادة تستغرق اجيالاً لتطبيقها .. عندما ادى روزفلت القسم لاستلام السلطة كان النظام المصرفى والائتماني في حالة شلل تام ، وكانت البنوك مغلقة ، فأمر روزفلت بفتح المصارف التى لم تتعرض للافلاس بشكل تدريجي ، واعتمدت الحكومة سياسة معتدلة تجاه تضخم العملة ، والبدأ بحركة تصاعديه في اسعار السلع الاساسية ، وتوفير الاغاثه لبعض المدينين ، في حين وفرت الحكومة تسهيلات ائتمانية سخية الى الصناع والمزارعين ، وسنت أنظمة مشددة على بيع الاوراق المالية في البورصات .

أول خطوات الاصلاح الاقتصادي توجهت نحو العاطلين عن العمل من خلال تشريع سنه الكونجرس عرف باسم (Civilian Conservation Corps (CCC ، والذى تضمن ايصال المساعدة للشباب العاطلين عن العمل الذين تقع اعمارهم بين 18 و 25 سنة ، من خلال انخراطهم في مخيمات تشبه المخيمات العسكرية الى حد بعيد مقابل 30 دولاراً للشهر الواحد للمشاركة في الأنشطة والمشاريع الاجتماعية ، كغرس الاشجار ، وإزالة التلوث ، وحفر الآبار واصلاح الطرق والمشاركة في استخراج الفحم وغير ذلك من الانشطة الاجتماعية .. حوالى 2 مليون شاب انضموا لهذا البرنامج الذى سن في نوفمبر 1933 وتم ايقافه في ربيع 1934م .

اختلف الاقتصاديين كثيرا في أسباب ومسببات الكساد الكبير ، لكن جوهر مشكلة الكساد يعود لفترة العشرينات من القرن الماضي ، وما صاحبها من تفاوت هائل بين القدرة الانتاجية للاقتصاد المحلى وقدرة الناس على الاستهلاك ، فالتطورات في تقنيات الانتاج اثناء وبعد الحرب العالمية الأولى ارتفعت بشكل كبير في الولايات المتحدة مما زاد من حجم انتاج المصانع بشكل اكبر بكثير من احتياجات الناس في الولايات المتحدة مما تسبب في تكدس الانتاج السلعى .. اضافة الى الخلل الكبير في توزيع الثروة بين طبقات المجتمع ، فان زيادة ثروات الطبقة الثرية وادخارات الطبقة المتوسطة بشكل كبير أدى الى اتجاه هذه الثروات والمدخرات الى المضاربات المحمومة في اسواق الاسهم أو العقارات في ظل أوعية استثمارية محدودة .. وهناك سبب ثالث وهو عدم تنويع الانشطة الاقتصادية داخل المجتمع ، فقد كانت الصناعتين الاساسييتين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت هما صناعة السيارات وصناعة الاذاعة ، ولم يكن هناك تركيز على الصناعات الزراعية وغيرها من الصناعات الأخرى.

و قد ادى الكساد الكبير إلى اعادة النظر بسياسات آدم سميث الداعية إلى عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي (مبدأ اليد الخفية) و بداية عهد تطبيق نظرية كينز التى تسمح للحكومة التدخل في النشاط الاقتصادي ولكن بشكل محدود من خلال السياسات المالية والنقدية .. ومما هو جدير بالذكر فان الولايات المتحدة لم تستطع التغلب على البطالة وعلى تبعات الكساد بشكل كلى الا بعد ان دخلت الحرب العالمية الثانية ، بعد حادثة بيرل هاربر ،في السابع من ديسمبر عام 1941م .. وهكذا استطاعت الولايات المتحدة التغلب على اكبر كارثة اقتصادية عالمية ، والنصر في اكبر حرب عالمية .. لتصبح اكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم حتى الآن ..

مش عارف ليه جايلى احساس ان التاريخ بيعيد نفسه

نسأل الله العافيه

سبحانك اللهم وبحمدك، اشهد ان لا اله الا انت، استغفرك واتوب اليك

Mohamed Ismael, CPA, CMA, SOCPA, CertIFR

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...