اذهب إلى المحتوى

Recommended Posts

بتاريخ:

شركات التسويق الهرمي

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فموضوع درسنا هذا اليوم هو شركات التسويق الهرمي، وهذه الشركات قد برزت في الآونة الأخيرة، وتعددت وحصل فيها خلاف كثير بين العلماء المعاصرين، باعتبارها نازلة من النوازل، ونحن نذكر في هذا الدرس حقيقة هذه الشركات، والتكييف الفقهي لها، ثم حكمها الشرعي، مع الإشارة إلى آراء العلماء المعاصرين فيها، وبيان القول الراجح.

هذه الشركات نشأت أول ما نشأت في بلاد الغرب، ثم انتقلت للمجتمعات الإسلامية؛ ولهذا حصل الخلاف بين العلماء فيها، ويتلخص عملها في أن هذه الشركات تقوم بإقناع الشخص بشراء سلعة أو منتج على أن يقوم بإقناع الآخرين بالشراء، ثم هؤلاء المشترين يقنعون آخرين وهكذا، وكلما زادت طبقات المشتركين حصل الأول على عمولات أكثر تبلغ آلاف الريالات، وكل مشترك يسعى لإقناع من بعده بالاشتراك مقابل هذه العمولات الكبيرة، وهذا ما يسمى بالتسويق الهرمي أو الشبكي.

فكرتها أن يشتري الشخص منتجات الشركة، وهي عبارة عن برامج، وموقع بريد إليكتروني بمبلغ تسعة وتسعين ريالا، ويُعطى بعد الشراء الفرصة في أن يسوق منتجاتها لآخرين مقابل عمولات محددة، ثم يقوم هذا الشخص بإقناع آخرين إلى آخره، كما ذكرنا حتى تتكون شجرة على شكل هرم.

وتشترط الشركة لاحتساب العمولات ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم عن تسعة أشخاص في شجرة المشتري، على ألا يقل عدد الأعضاء تحت كل واحد من الاثنين الأولين عن اثنين، وتبلغ العمولة خمسة وخمسين دولارًا، ويتم صرف العمولة في مقابل كل تسعة أشخاص في التسلسل الهرمي، وتتضاعف في كل مرة يضاف فيها مستوى جديد، أو طبقة جديدة للشركة، وإذا افترضنا أن الشركة تنمو كل شهر، بمعنى أن كل شهر ينضم شخصان إلى كل شخص في الهرم، فهذا يعني أن العمولة التي يحصل عليها العضو تصل إلى أكثر من خمس وعشرين ألف دولار في الشهر الثاني عشر، ويستمر هذا التضاعف في كل شهر، وهذا في الحقيقة هو مصدر الإغراء في هذا النوع من البرامج، لمجرد مقابل دفع مبلغ زهيد تسعة وتسعين دولار، يحصل المشترك على مئات بل آلاف أضعاف هذا المبلغ، وهذه هي فكرة هذه الشركة، قد لا تكون مفهومة للجميع بالقدر الكافي؛ لأن طريقتها يشوبها شيء من الغموض، ولكن فكرتها تدور حول التسلسل الهرمي، وأن الإنسان يُعطيهم تسعة وتسعين دولار، وبعد ذلك يحصل على عمولات كبيرة تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات، هناك شركه طريقة عملها تقوم على بيع أسطوانة أو قرص حاسب آلي، محتوي على برامج لفنون شرعية، من فقه وحديث وتفسير، تُباع هذه الأسطوانة بخمسمائة ريال، وكل شخص يتسوق من هذه الشركة فإنه يندرج تحت اسمه عدد من المشترين، وبمجرد اكتمال أربعة مشترين تحت هذا الشخص فإنه يستحق مبلغ ستمائة ريال مكافئة من الشركة، والمتسوق ليس ملزما بإحضار هؤلاء الأربعة.

أما إذا أحضر المتسوق عن طريقه أشخاصًا يرغبون في التسوق، فإنه يستحق عن كل شخص مبلغ قدره خمسة وسبعين ريال، وإذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن هذا المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألف ريال وخمسمائة ريال، إذا اكتمل تحت المشتري ثلاثمائة وأربعون متسوقا فإن المتسوق الأول يستحق مبلغا قدره اثنان وأربعون ألفا وخمسمائة ريال، هبة من الشركة، وتجميع الثلاثمائة والأربعون متسوق مسئولية الشركة لا المشتري، يعني أنك مجرد ما تشتري الأسطوانة بخمسمائة ريال قد تحصل على عمولات تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، ويعتبرون أن هذا هبة من الشركة.

يقولون: أنت اشتريت هذه الأسطوانة لتنتفع وتستفيد منها، وهذه عمولات على كونك أتيت بالمشترين من بعدك، أو حتى لو لم تأت بأحد فإنك تستحق أيضًا عمولات، وهذه العمولات إذا تراكمت تصل إلى اثنين وأربعين ألف وخمسمائة ريال، إذن هذه الأسطوانة، وهذا النوع من التسويق الهرمي، كما ذكرت هذا النوع من الشركات يُعتبر نازلة من النوازل، لأنها لم تكن معروفة في المجتمعات الإسلامية من قبل، ومن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكمها على قولين:

القول الأول: المنع وأن هذا النوع من الشركات محرم شرعًا، وإلى هذا ذهب أكثر العلماء المعاصرين، وصدر به فتوى من الجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

القول الثاني: الجواز، ثم اختلف أصحاب هذا القول فمنهم من أجازها مطلقًا من غير قيود، ومنهم من قيدها، بأن تقدم الشركة خدمات حقيقية نافعة وليست صورية.

ومنهم من قيدها بشرطين:

الأول: أن تبيع الشركة المنتج بسعر السوق.

والثاني: أن يكون المشتري لهذا المنتج بحاجة إليه وراغبا فيه.

ونأتي لأدلة لكل قول ثم نبين القول الراجح.

ولعلنا نبدأ بالقول الثاني وهم القائلون بالجواز: فعللوا قولهم بالجواز بأن الأصل في العقود الحِل والإباحة، وأن ما ذكر من عمولات يحصل عليها المشتري قد تصل إلى أكثر من أربعين ألفا إنما هي مبنية على حق السمسار، وهو الوسيط بين البائع والمشتري، فهي مقابل سمسرة، هذه العمولات مقابل سمسرة، قالوا: وأخذ العمولة مقابل السمرة جائز شرعًا، وكون نصيبه يزيد بزيادة عدد المشترين لا مانع منه، لأن الأصل هو صحة العقود إذا سلمت من الغرر والمخاطرة والربا، إذن هذه وجهة أصحاب هذا القول، فمعتبر أن هذه العمولات مقابل سمسرة، وهذا يشتري منتج والأصل في العقود الصحة، فما المانع من صحة هذا التعامل. وأما زيادة المبلغ، فقالوا: بسبب زيادة أعداد المشترين، فنزيد قيمة هذه السمسرة.

وأما من قيد الجواز بأن تكون هذه المنتجات تحتوي على خدمات حقيقية وليست صورية فقال: لأنها إذا كانت صورية، فإنه يرد عليها عدة محاذير شرعية من الربا والغرر وغيره، وأما من قيد ذلك بالشرطين: بأن تكون الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وأن يكون المشتري راغبا في ذلك، فقال: لأن هذه العمولات تكيف على أنها هبة إذا تحقق هذان الشرطان، يعني هذه العمولات إذا تحقق هذان الشرطان تعتبر هبة من الشركة، فإذا كانت الشركة تبيع المنتج بسعر السوق، وكان المشتري راغبا في شراء المنتج، فإن ما زاد على ما أُعطي المشتري بعد ذلك يُعتبر هبة من الشركة، والواقع أن هذا التقيد مؤداه للقول الأول؛ لأن الشركة في الواقع لا تبيع المنتج بسعر السوق. فالقائل بهذا القول بناءً على هذا يلزمه بأن يقول بالمنع، فيكون مؤدى هذا التفصيل هو القول الأول.

إذن هذه هي وجهة القائلين بالجواز على التفصيل الذي أوردناه.

وأما القائلون بالمنع فقد صدر في هذا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وأجابت إجابة مفصلة بتاريخ الرابع عشر من شهر ربيع الأول لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين للهجرة، فتوى رقم اثنين وعشرين ألف وتسعمية وخمسة وثلاثين، ذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة المفتي إلى: أن هذا النوع من المعاملات محرم، وذلك لأن مقصود المعاملة هو العمولات، وليس المنتج، المقصود هو العمولات وليس المنتج، وهذه العمولات قد تصل إلى عشرات الآلاف، في حين لا يتجاوز ثمن المنتج بضع مئات، وكل عاقل إذا عرض عليه الأمران، فإنه سيختار العمولات، ولهذا كان اعتماد هذه الشركات في التسويق والدعاية لمنتجاتها هو إبراز حجم العمولات الكبيرة التي يمكن أن يحصل عليها المشترك، وإغراؤه بالربح الفاحش مقابل مبلغ يسير هو ثمن المنتج، الواقع أن المنتج الذي تسوقه هذه الشركات هو مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولهذا فإن أكثر المشترين إن لم نقل جميع المشترين لهذا المنتج، الذي هو مثلًا في شركة هبة الجزيرة أسطوانة، إنما قصدهم العمولات والمكافآت، وليس قصدهم الانتفاع بهذا المنتج، ولهذا نجد أن منهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده جهاز الحاسب أصلًا، ومنهم من يشتري هذا المنتج وليس عنده اهتمام بالعلم الشرعي، بل قيل إن من المشترين من يشتري هذا المنتج وهو لا يتحدث باللغة العربية لأنه الغرض هو الحصول على العمولات، بل قيل إنه أيضًا إن منهم من ليس بمسلم أصلًا، وبعضهم يشتري هذا المنتج ويُعطيه غيره، ولا يعبأ به، وأيضًا بعضهم يشتري عددا كبيرًا من هذا المنتج، حتى ذكر أن أحدهم اشترى بأكثر من مائتي ألف، معلوم أنه تكفيه أسطوانة واحدة في منتج واحد، فماذا يفعل بهذا العدد الهائل من الأسطوانات، وبهذا نعرف بأن الهدف الحقيقي للمشتركين في هذه الشركات إنما هو الحصول على هذه العمولات وهذه المكافآت التي تصل إلى آلاف مؤلفة، وإذا كان ذلك كذلك فإن هذا التعامل أو حقيقة هذه المعاملة أنها محرمة لوجوه:

الوجه الأول: أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، المشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العامين ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، ولا تأثير له في الحكم؛ ولهذا فإن هذا المنتج يُباع مثلًا بخمسمائة ريال بينما قيمة السوقية - وليس ما تدعيه الشركة - أقل من هذا بكثير، وبناء على أن الشركة لا تحتفظ بحقوق يعني أنها تسمح بالنسخ فربما يصل إلى عشرة ريالات أو أقل، وإذا تتجاوزنا فربما نقول أنه يصل إلى مائة ريال، فيكون المبلغ المتبقي يتناول الربا، يعني أربعمائة ريال مثلًا أو أكثر، يدفعها الإنسان ويحصل مقابل هذا المبلغ على أضعاف مضاعفة، هذا هو الربا الفضل وأيضًا يجتمع معه ربا النسيئة لأن فيه تأخير، وأيضًا من المحاذير التي اشتملت عليها هذه المعاملة أنها من الغرر المحرم شرعًا. لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟

وهذا التسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم، هل سيكون في الطبقات العليا فيكون رابحًا، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسرًا.

والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة، فالغالب هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الغرر.

المحذور الثالث مما اشتملت عليه هذه المعاملة: أكل أموال الناس بالباطل، حيث لا يستفيد من هذا العقد إلا الشركة، ومن ترغب إعطاءه من المشتركين، بقصد خداع الآخرين، وقد قال الله تعالى: Posted Imageيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ Posted Image ولهذا نجد أن بعض الدول الغربية منعت هذا التعامل إذا كان بدون منتج، فعملت هذه الشركات واحتالت ووضعت هذا المنتج ليكون غطاءًا وستارًا؛ ليحميهم من الملاحقة القانونية في بلاد الغرب، ثم انتقل إلى بلاد المسلمين بهذا التصور.

رابعًا: اشتملت أو تشتمل هذه المعاملة على الغش والتدليس والتلبيس على الناس، من جهة إظهار المنتج، وكأنه هو المقصود في المعاملة، والحال خلاف ذلك، ومن جهة إغرائهم بالعملات الكبيرة التي لا تتحقق غالبًا، وهذا في الحقيقة من الغش المحرم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: Posted Imageمن غش فليس منا Posted Image فهذا النوع من التسويق في الحقيقة يصنف من حيث المبدأ ضمن صور الغش والاحتيال التجاري، وقد تناولت كتبٌ ودراسات وأبحاث تحذر من هذه الشبكات، والوهم والتغرير التي توقع أتباعها، وتأتيهم من جهة الطمع، وتجعلهم يحلمون بالثراء السريع، مقابل مبالغ محدودة يبذلونها، وهي في نهاية الأمر تصب في جيوب أصحاب هذه الشركات والمنظمات، ولا يحصد الأتباع سوى السراب.

ولذلك كما أشرنا هناك قوانين في العديد من دول العالم، التي تمنع من التنظيم الهرمي، أو التسويق الهرمي، بشكل أو بآخر.

وعلى سبيل المثال، هيئة الأوراق المالية بباكستان، حذرت الناس من التعامل مع شركة بزناس العاملة هناك، وقالت في تحذيرها: إن الشركة المذكورة تطلع بممارسات غير مشروعة وتحايلية وغير أخلاقية، كما أن هناك شركة شبيهة بشركة بزناس تعمل في نفس المجال اسمها سكايبز، وهي مقرها الولايات المتحدة، ولها فروع في العالم، هذه الشركة قد رفعت وزارة التجارة الأمريكية ضدها قضية، تتهمها بالغش والاحتيال على الناس، رفعت وزارة التجارة الأمريكية قضية ضدها بتهمة الغش والاحتيال على الناس، وصدر قرار المحكمة بإيقاف عمليات الشركة وتجميد أصولها تمهيدًا لإعادة الأموال إلى العملاء، وهي شبيهة بشركة بزناس.

فإذًا إذا كان هذا عند دول الغرب أنهم يصنفون هذه الشركات من شركات الغش والاحتيال التجاري، لا شك أن شريعة الإسلام تمنع مثل هذا، بل هي أولى بأن تمنع هذه الطرق وهذه الأساليب، التي تقوم في أساسها على الغش وعلى الاحتيال التجاري. هذه هي وجهة أصحاب هذا القول، وكما ترون أدلة هذا القول قوية، وظاهرة جدا، لهذا فإن هذا القول هو الراجح والله تعالى أعلم في هذه المسألة، وهو تحريم هذا النوع من الشركات، وهذا النوع من التعامل، لهذه الوجوه التي ذكرناها.

والذي يظهر لي أن سبب الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى الخلاف في قيمة المنتج الذي تسوقه الشركة، الشركة تدعي أن قيمة هذا المنتج 500 ريال مثلا ولكن قيمته الحقيقية السوقية أقل من هذا، أقل من هذا بكثير، والعبرة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، انتبهوا إلى هذه النقطة. العبرة في الحقيقة بالقيمة السوقية لا بما تدعيه الشركة، ولهذا إذا كانت الشركة جادة فلتضع هذا المنتج في الأسواق، وتنظر كم تساوي قيمته.

ولا يعقل أن أسطوانة واحدة تصل قيمتها 500 ريال، وعلى كل حال لو كانت قيمته السوقية تصل إلى هذا لكان هذا مقبولا، ولكان القول بأن ما زاد على ذلك مقابل هبة أو سمسرة، قد يكون مقبولا، ولكن الإشكال هو في هذه النقطة، أن القيمة الحقيقية السوقية لهذا المنتج لا تصل لما تباع به في الأسواق، فترد هذه المحاذير.

والقائلون بالجواز يقولون: إن قيمة هذا المنتج هذه هي قيمته السوقية، ولكن هذا ليس بصحيح، هذا ليس بصحيح، ولهذا أجاب أصحاب القول الأول، وهم قائلون بالمنع، على القائلين بالجواز بأن هذه العملات مقابل السمسرة قالوا بأن هذا غير صحيح، إذ أن السمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع السلعة، هذه هي حقيقة السمسرة، عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، وأما التسويق الشبكي، فإن المشترك في الحقيقة هو الذي يدفع الأجر، هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها تسويق السلعة حقيقة، خلاف التسويق الشبكي، فإن المقصود هو تسويق العملات وليس المنتج، تسويق العملات وليس المنتج، فالفرق إذًا بين السمسرة وبين التسويق الشبكي ظاهر.

وأما القول بأن هذه العملات من قبيل الهبة فلا يسلم أيضًا، ولو سُلِمْ فليس كل هبة جائزة، لو سلم بأن هذه العملات من قبيل الهبة ليس كل هبة جائزة، فمثلًا الهبة على القرض ربا، Posted Imageكل قرض جر نفعا فهو ربا Posted Image الهبة على قرض قبل الوفا فإنها تكون ربا، أو الهبة بعد الوفا المشترطة تكون ربا، وكذلك أيضًا هدايا وهبات العمال غلول، وهبة الموظف لرئيسه في العمل محرمه. فليس إذًا كل هبة تكون مباحة. وهذه العملات إنما وجدت في الحقيقة لأجل الاشتراك في التسويق الشبكي، فمهما أعطيت من أسماء سواء كانت هدية أو هبة أو غير ذلك فلا يُغير ذلك من حقيقتها شيئًا، والحاصل أن هذا النوع من التعامل أنه يشتمل على محاذير من الناحية الشرعية.

وإذا كانت بعض الدول غير المسلمة تمنع منه فالأولى أن يمنع مثل هذا التعامل في المجتمعات الإسلامية، إذ أنه يقوم في الأساس على الغش والتغرير والخداع وإغراء الناس ببذل مبلغًا زهيدا والحصول مقابل ذلك على أرباح كبيرة. فتقوم هذه الشركات في الأساس على هذه الفكرة. ثم أيضًا أي إنسان عاقل يعتقد أنه لا يمكن أي إنسان عاقل إذا تأمل هذه المعاملة فإنه سيدرك أنه لا يمكن لشركة تجارية هدفها الربح أن تبيع منتجا بمائة ريال أو خمسمائة ريال وتهب الناس هبة لوجه الله تعالى، وهذه الهبة تصل إلى أكثر من 42 ألف وخمسمائة ريال، هل هذا معقول؟ أي إنسان يدرك بعقله وفطرته أن هذا غير ممكن؛ لأن هذه شركة تجارية هدفها الربح، فحينئذ لا تكون هذه الهبات هبات محضة تريد منها هذه الشركة الثواب والأجر من الله عز وجل والإحسان إلى الناس، فإن هذا ليس بخُلق لمثل هذه الشركات.

ولهذا فإن مثل هذه العملات تشمل شيئًا من التغرير والخداع والالتفاف واللعب على الناس حتى تحصل من ورائهم على الأموال الكبيرة والمبالغ العظيمة، ويبقى هذا المشترك ينتظر ما وعد به من هذه الأرباح وهذه الألوف المؤلفة التي ربما يحصل عليها أول المشتركين وهم فئة قليلة ربما لا تصل إلى عشرة بالمائة، وأما بقية المشتركين فإنهم لا يحصلون على شيء، ولهذا نقول إن هذا نوع من التعامل وهذه الشركات قائمة على الغش والتغرير والخداع فهي محرمة شرعًا. وما ظنك بشركات ولدت ونشأت وترعرعت في بيئات كافرة تقوم في أساسها على الربا والميسر، هل تظن أن مثل هذه الشركات تكون تأتي إلى المجتمعات الإسلامية وتكون موافقة للشريعة الإسلامية، ولهذا ينبغي يعني على طلاب العلم الحذر عندما ترد مثل هذه الشركات وهذا النوع من التعاملات، وعدم الاستعجال في الفتيا فيها إلا بعد التأمل والنظر. بعض الأخوة يتعجل في الإجابة، ومثل هذه الشركات تفرح بمثل هذه الفتاوى وهذه الإجابات وتبرزها، وربما نشرتها في الصحف وبينت أن تعاملها أنه شرعي وجعلت هذه الفتوى دعاية لهذه الشركة. وهذا يؤكد ما ذكرناه في أول درس من أهمية الفتوى الجماعية في النوازل وفي القضايا المعاصرة؛ لأنها أقرب إلى التوقيف وإلى إصابة حكم الله ورسوله من الفتوى الفردية التي ربما يفوت المفتي فيها يعني بعض الأمور أو ينقصه بعض التصور.

حسن محمود العتمني

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...