اذهب إلى المحتوى

زكاة الثروة التجارية والصناعية


Recommended Posts

زكاة الثروة التجارية والصناعية

يقصد بزكاة الثروة التجارية جميع الأموال التي اشتريت بنية المتاجرة بها، سواء بالاستيراد الخارجي أو الشراء من السوق المحلية، وسواء كانت عقاراً أو مواداً غذائية أو زراعية أو مواشي أو غيرها، وقد تكون بضائع في محل تجاري أو لفرد أو لمجموعة من الأفراد. وهذه الأموال يطلق عليها عروض التجارة.

أما المؤسسات التي يقتصر عملها على الصناعة للآخرين، فلا تُعَدْ أدواتها التي تستعملها من عروض التجارة، كما هو الحال في الشركات التي تتخصص في أعمال المقاولات لصالح الغير، فمثل هذه الشركات تُعَدْ صناعية وإن لم يؤلف إطلاق هذه الكلمة عليها، فكل شركة تعمل في الصناعة للآخرين مثل شركات البناء والتعمير تعد شركات صناعية، ومثلها محل الحدادة والنجارة.

ولكن لو اشترت هذه الشركات الصناعية بضائع ومواد بقصد بيعها بعد تصنيعها فإن هذه المواد تعتبر عروضاً تجارية، وتُزكى قيمتها خالية من الصناعة.

الفرق بين عروض القنية وعروض التجارة:

يقصد بعروض القنية تلك العروض المعدة للاقتناء والاستعمال الشخصي، لا للبيع والتجارة، وتعرف في المحاسبة المالية بالأصول الثابتة، وهي التي ينوي التاجر أو الشركة التجارية عند شرائها الاحتفاظ بها لأنها أدوات إنتاج، مثل: الآلات والمباني، والسيارات، والمعدات، والأراضي التي ليس الغرض منها بيعها والمتاجرة بها، وكذلك الأواني، والخزائن، والأرفف التي تعرض فيها البضاعة، وكذلك المكاتب والأثاث... الخ، فجميع هذه الأصول الثابتة لا زكاة عليها، وتحسم من وعاء الزكاة.

وأما عروض التجارة، وهي العروض المعدة للبيع، وتعرف في المحاسبة المالية بالأصول المتداولة، وهي التي ينوي التاجر أو الشركة التجارية عند شرائها المتاجرة بها، مثل: البضائع، والسلع، والآلات، والسيارات، والأراضي التي تشترى بنية المتاجرة بها، فإنها تجب فيها الزكاة إذا ما استوفت شروط وجوب الزكاة.

شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة:

يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة ما يشترط في المال النقدي من الشروط – راجع وجوب الزكاة – بالإضافة إلى أمرين اثنين لا بد من اعتبارهما في المال ليصبح من مال التجارة الذي تجب زكاته وهذان الأمران هما:

1- العمـل : فالعمل هو الشراء.

2- النيـة : هي قصد تحصيل الربح ببيع ما اشتراه.

ولا يكفي لوجوب الزكاة في مال التجارة أحد الأمرين دون الآخر.

ثم إذا اشترى عرضاً معيناً بنية المتاجرة فيه ثم قبل أن يبيعه – حول نيته فيه إلى الاستعمال الشخصي على وجه التأبيد – فتكفي النية هنا لإخراجه من مال التجارة إلى المقتنيات الشخصية، فلا تجب فيه زكاة، وكذلك أن اشترى عرضاً للقنية ثم غير نيته إلى البيع فلا يكون فيه زكاة حتى يحول الحول منذ غير نيته.

كيف تزكي الثروة التجارية:

إذا حل موعد الزكاة ينبغي للتاجر المسلم – أو الشركة التجارية – أن يقوم بجرد تجارته ويقوّم البضاعة الموجودة ويضمها إلى ما لديه من نقود – سواء استغلها في التجارة أم لم يستغلها – ويضيف إليها ما له من ديون مرجوة السداد ثم يطرح منها الديون التي عليه لأشخاص أو جهات أخرى ثم يزكي الباقي بنسبة ربع العشر (2.5%) ونستطيع أن نوجز ذلك في المعادلة التالية:

مقدار الزكاة = (قيمة البضاعة الموجودة + السيولة النقدية في الصندوق والبنك + الدين المرجو السداد – الديون التي على المزكي للغير) × 2.5% .

يُقوّم التاجر ثروته التجارية بسعر السوق الحالي، سواء كان سعر السوق الحالي منخفضاً عن الشراء أو مرتفعاً فالعبرة بسعر السوق الحالي.

ويكون تقويم عروض التجارة، بسعر التجزئة لأهل بيع التجزئة، وبسعر الجملة لأهل بيع الجملة، وبالسعر المتوسط لمن يبيع بالجملة والتجزئة معاً.

الديون التجارية:

إن عملية التجارة، والبيع والشراء قد تتم نقداً أو بالأجل، فكيف يتعامل التاجر مع الديون التجارية؟

أولاً : الديون التي للتاجر على الآخرين:

يقسم الفقهاء هذه الديون إلى قسمين:

1- دين مرجو الأداء: وهو ما كان على مُقِرّ بالدين قادر على أدائه أو جاحد للدين لكن عليه بينة ودليل بحيث لو رفع الأمر إلى القضاء لاستطاع التاجر استرداده. وهي ما تعرف بالديون الجيدة، ففي هذه الحالة على التاجر – أو الشركة التجارية – تزكية مبلغ الدين مع زكاتها كل عام.

2- دين غير مرجو الأداء: وهو ما كان على جاحد ومنكر للدين ولا بينة عليه، أو ما كان على مقر بالدين لكن كان مماطلاً أو معسراً لا يقدر على السداد، وهي ما تعرف بالديون المشكوك في تحصيلها، فليس على التاجر – أو الشركة التجارية – زكاة في هذا الدين إلا بعد أن يقبضه فعلاً، فيزكيه عن سنة واحدة فقط وإن بقي عند المدين سنين.

ثانياً : الديون التي على التاجر للآخرين:

يحسم التاجر – أو الشركة التجارية – الديون التي عليه للآخرين من وعاء زكاته، ويكون على الآخرين زكاتها حسب ما سبق بيانه.

زكاة الثروة الصناعية:

في الثروات الصناعية تكون الزكاة في الربح دون رأس المال، الذي غالباً ما يتحول إلى أصول ثابتة لا زكاة فيها، مثل: الآلات والمعدات والمباني التي تحوي المصانع، فهذه تعد أدوات إنتاج، ولا تخضع أدوات الإنتاج إلى الزكاة.

ويؤخذ في الاعتبار أن المواد الخام المستخدمة في المصنع إذا حال عليها الحول، أو ضمت إلى حول نصاب مشابه كالنقود أو عروض التجارة تجب فيها الزكاة، سواء كانت مخزنة لدى الشركة لم تستعمل بعد، أو استعملت في أشياء قد تمت صناعتها ولم يتم بيعها إلى أن حل موعد الزكاة.

ss___ae_493.rar

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 3 سنة...
  • بعد 4 أسابيع...

حكم العروض التجارية الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله

• السائـــل: عـــروض التجـــارة، معلــــوم الخــــلاف بيـــــن أهــــل العلـــــم فــــي حكـــــم الزكـــــاة فيهــــا، وقـــــول الجمهـــــــور بوجــــوب الزكــــــاة فــــــي عـــــــروض التجـــــــارة، والقـــــول الآخــــر بوجــــــوب الزكـــــــــاة عمومــــــــا مــــــن غيــــــــر حــــــــــول ولا نصــــــــاب، وقـــــــــول الجمهــــــــــور بوجـــــــوب الزكـــــــــاة حـــــــــــولا ونصابــــــــــا.

نريـــــــــد تحريــــــــر المسألـــــــة علــــــى ضـــــــــوء الكتـــــــاب والسنــــــــة وفهــــــــم السلـــــف الصالـــــــــح لهــــــــذه المسألـــــــــة، بحيــــــــث أن نخـــــــرج بهـــــــا متمكنـــــــة بهــــــا قلبنــــــا فــــي هــــــذا بالقـــــــول الصحيــــــــح.

الشيـــــخ الألبانـــي رحمـــــه الله:

إن الحمـــــد لله نحمــده ونستعينـــه، ونستغفـــــــره، ونعــــــوذ بالله مـــــن شـــــــرور أنفسنــــــا، ومـــــن سيئــات أعمالنـــا، مــن يهــده الله فـلا مضــل لــه، ومـن يضلــل فـــلا هـــادي لــه، وأشهــد أن لا إلــه إلا الله وحــده لا شريــك لــه، وأشهـــد أن محمـــداً عبـــده ورسولـــه.

أمــا بعـــد:

فمـــــن المعلـــــــوم عنـــــد أهــــــل العلـــــــم قاطبــــــة أن الأصـــــل فــــــي الأمــــــوال –كمـــــا هــــو الأصــــــل فـــــي الدمــــــــاء، وفــــــي الفــــــــروض، ألا وهــــــو- الحرمـــــة، وأنـــــه لا يجـــــوز إيجــــــاب شــــــيء مـــــن هــــــذه الأمــــــــور الثلاثــــــة إلا بنـــــــص مـــــــن كتــــــــاب الله أو مـــــن حديــــــــث رســـــــول الله صلــــــــى الله عليـــــــــه وسلــــــــــم أو بإجمـــــــــاع متيقــــــــن مـــــن علمــــــــــاء الأمـــــــــة، وفيمــــــــا علمـــــــــت واطلعـــــــــت عليـــــــه ووقفـــــــت، لــــــم أجـــــد دليـــــــلا ممـــــــا يعــــــــود إلـــــــى هـــــــذه المصـــــــــادر الثلاثـــــــــة علــــــى مــــــا ذهــــــب إليــــه أكثـــــــر العلمـــــــاء مـــــن الفقهـــــــــاء المتقدميــــــــن والمتأخريــــــــن مــــــن إيجــــــاب الزكـــــاة علـــــــى عــــــــروض التجـــــــارة بالشرطيـــــــــن المذكوريــــــــــن آنفـــــًا فــــــي سؤالــــــك، وهــــــو أن يبلـــــــــغ النصــــــــاب أولاً، ثـــــــم أن يحـــــــــول عليـــــــــه الحــــــــول ثانيـــــًا، وشـــــيء ثالــــث يقولونـــــــه أنـــــــه إذا تحقــــــــق هـــــــذان الشرطــــــــان فـــــي شـــــــيء مـــــن عــــــروض التجـــــارة فـــــلا بـــــد مــــن تقويـــــــم هـــــــذه العـــــــــروض فـــــي آخــــــر كــــــل سنــــــة بعـــــد أن حــــــــال الحـــــــول، بعـــــــد التقويــــــــم يخـــــــرج مــــــن القيمـــــــة المقــــــــدرة بالمائـــــة اثنــــان ونصــــــف كمــــــا هــــــو الشــــــأن فــــي زكــــــــاة النقديــــــــن.

مثـــــــل هــــــذا التفصيـــــــل لــــــم نجــــــده منصوصــــًا كمــــــا ذكرنـــــا فـــــــي الكتــــــاب والسنــــة وإجمـــــــــاع الأمــــــــة، الأصـــــــل كمـــــــا ذكرنــــــــا، فنحـــــــن موقفنــــــــا موقـــــــف المنـــــع مـــن أن يفــــــرض زكـــــــاة علــــــــى أمــــــوال التجـــــــارة بكيفيــــــة، وتقييــــــد لـــــم يـــــرد لهمـــــا ذكــــر فـــــي مصــــــدر مـــــن تلـــــك المصــــــــادر، لكـــــن لا يخفــــــى علــــــــى كــــــل باحـــــث أو عالــــــم أن هنـــــــاك نصوصـــــــا عامـــــــــة تأمـــــــر بإخــــــــراج الزكــــــــاة وبتطهيــــــر النفــــــوس بإخــــــــراج الزكـــــــاة، نصوصـــــــًا عامــــــــة، ثـــــــم هنــــــاك نصـــــــوص خاصــــــــة بينــــــت مــــا هـــــي الأشيــــــاء التـــــي يجـــــب عليهــــــا الزكـــــــاة، ومـــــــا هـــــي المقاديـــــر التــــي تجـــــب، ســــــواء مــــــا كــــــان منهـــــــا متعلقــــــــا بالنقديــــــــن- كمــــــا سبقــــــت الإشــــــارة آنفـــًا - أو مـــا كـــــان منهــــــا متعلقــــــا ببعـــــــض الحيوانــــــــات الأهليـــــــة كالغنــــــم والبقــــــر والإبـــــل، أو كالمتعلقـــــــــة ببعـــــــض الثمــــــــار ونحـــــــــو ذلـــــــك، -هنـــــــاك نصـــــــوص تتعلـــــــق ببيـــــان نصـــــــوص علــــــى هــــــذه الأنــــــــــواع- فنحـــــــن نقــــــول: لــــــن تجـــــدوا هـــــذه النصـــــوص وننفـــــــذها ولا نزيــــــــد عليهــــــا، استعمــــــالا للنظــــــر أو القيــــــاس، لأن هنــــــاك مـــــا يمنـــــع منــــــه ألا وهـــــو ذلــــــك الأصــــــل، كمثــــــل حديـــــــث معـــــــاذ بــــــن جبـــــل – رضــــي الله تعالــــى عنـــــه- حينمــــــا أرسلــــــه الرســــــول صلــــــى الله عليــــــه وسلــــــم إلـــــى اليمــــن داعيـــــــة ومبشــــــــرا ومعلمـــــــــا، قـــــال لــــــه عليـــــه الصـــــلاة والســــــلام: ((لا تأخـــذ الصدقــــة إلا مـــــن هـــــذه الأنــــــواع الأربعـــــــــة، فذكــــــــر القمــــــــح والشعيــــــــر والتمــــــر والزبيـــــب))(1)، فــــإذن قولــــــه، (لا تأخـــــذ) تأكيـــــدا لتلـــــــك القاعــــــدة لأن الأصـــــــل فــــي الأمـــــوال الحرمــــة إلا فيمـــــا جـــــاء فيـــــه نـــــص.

وانضــــــم إلــــى هــــذا أحاديـــــــث أخـــــرى تصــــــرح فتقـــــول - مثــــــلا فـــــي الحديــــث المتفــــق عليــــــه ألا وهــــــو قولــــــه عليـــــــه الصـــــــلاة والســــــلام: ((لا صدقــــة علـــــى عبــــد الرجـــــل ولا علــــــى فرســــــــه))(2)، أو كمــــــــا قــــــال عليــــــــه الصـــــــلاة والســــــــلام، والحديــــث فــــــي الصحيحيـــــــــن.

لذلـــــك لمـــــــا جـــــاء بعـــــــض التجـــــــار مــــــــن الشـــــــام إلــــــى عمــــــر بـــــن الخطــــاب- رضــــــي الله تعالــــــــــى عنــــــــه- ومعهــــــم خيـــــــل -أي التجــــــــارة- قيـــــــل لـــــه: يـــا أميــــــر المؤمنيــــــــن خــــــذ منهــــــــا زكاتهــــا، قــــال رضـــــــي الله عنـــــه: إنـــــه لــــم يفعــــــــل ذلـــــــك صاحبـــــــــاي مــــــن قبلــــــــي، فألــــــــح وألحـــــــوا، وكـــــــان فــــــي المجلـــــس علــــــي بــــــــن أبـــــــــي طالــــــــب - رضـــــــــي الله عنــــــــه- قـــــــال: يــا أميــــر المؤمنيــــــــــــــن خـــــذها منهــــــم صدقــــــــة، علــــــى أنهــــــا صدقـــــــة مـــــن الصدقـــــــات، فأخذهــــــــا فطابــــــــــت قلوبهــــــــــــم(3). فهــــذا دليـــــل علـــــى أن الخيـــــل كان النبــــــي صلـــــى الله عليـــــــه وسلـــــم لا يأخــــــذ عليهـــــــا الزكــــــاة، والحديـــــث فـــــي مسنـــــد الإمــــام أحمــــد ففيــــه بيــــــان أن الخيـــــل التــــــي كانـــــت تربــــــى وتشتــــــرى مـــــن أجـــــل المتاجـــــرة فيهــــا، أنـــــه لا زكـــــــاة عليهـــــــا، أي كمــــــا فـــــــرض الرســـــــول صلــــــى الله عليــــــه وسلـــــم الزكــــاة علـــــى الحيوانــــــــات الأخـــــــرى التــــــي سبـــــــق ذكرهـــــا كالغنــــــم والبقـــــر والإبــــل.

إلى هنــــا ينتهـــــي بيــــــان مــــــا عنـــــدي جـــــواب علـــى ذلـــــك الســــؤال.

ولكــــن يظـــــن كثيـــــر مـــــن الفقهــــــاء المعاصريـــــــن -إن لــــم نقـــــل مــــــن المتفقهـــــة- لأن أكثــــر هـــــؤلاء المعاصريــــــن لـــــم يتفقهـــــــوا فــــــي كتـــــــاب الله ولا فــــــي سنـــــة رســــول الله صلــــــى الله عليـــــــه وسلـــــــم، وإنمـــــــا إن كانــــــوا قــــــد تفقهــــــوا فتفقهـــــــوا بمـــــا قــــرؤوه فــــــي الكتـــــــب الفقهيــــــــة التقليديـــــــــة المذهبيــــــــة التـــــي تفـــــرض علـــــى قارئهـــــا وعلـــى المتفقـــــــه بهــــــا أن يلتزمهـــــــا دون أن يعــــــرف دليـــــــل أصحابهـــــــــا، وخيـــــر مـــن هــــؤلاء مـــــن يتفقـــــــه علــــى المذاهــــــب الأربعــــــــة وهــــــو مــــــا يسمـــــــى اليــــــوم الفقـــــه المقـــــــــارن، ويقـــــــرأ قـــــول هــــــذا المذهــــــب، وذاك المذهــــــب، ويعيـــــــش فـــــي اختلافــــات، ثــــــم ينقـــــــل رأي كــــــل مذهـــــــب مقرونـــــــا بالدليـــــــل الــــذي يذكــــــره المذهــــب دون أن يــــــدرس هـــــــذه الأدلــــــــة علــــــــى ضــــــوء الأصــــــــول العلميـــــــة مــــن أصــــــــول الحديـــــــث، أو أصـــــــول الفقـــــــه، أو مثـــــــلا لا يأمــــــــل أصــــــل مـــــن أصــــــول الفقــــــه، الخــــــاص، والعــــــام، والمقيـــــــد، والمطلــــــــق، ممــــــا يكـــــــون قـــــد درســـــه مـــن علـــــم الأصــــــول ودرســــــه، وربمـــــــا قـــــد بحــــــث بحثــــــــا نظريـــــــا، ولكــــــن لـــــن يصــــدق ذلـــــك علميــــــا، كذلــــــك مـــــا يتعلــــــق بالأصــــــل الآخــــــر، ألا وهــــــو أصـــــــل المنهجيـــــة وأصولـــــــــه، ومثـــــــلا حينمـــــــا ينقــــــــل أدلـــــــة كــــــل قـــــول، أو مذهــــــب لا يجــــــري عليهــــا التحقيـــــــق العلمـــــــي فيقـــــــول: هــــــذا حديـــــــث صحيــــــــح، وهـــــذا حســــــن، وهـــــذا ضعيـــــف ونحـــــــو ذلـــــــك، كالــــــذي يقعــــــون فيــــــه اليـــــوم أنهـــــم بسهولــــــة مــــا، يذهبــــون إليـــــه ويقعـــــــون فيــــــه، يراعـــــــــون مـــــا يسمونـــــــه المصلحــــــــة، وذلـــــك يغنيهـــــم علــــى أن يجهـــــــــدوا أنفسهـــــــم وأن يطبقـــــــوا الأصـــــــول العلميــــــــة المشـــــــار إليهــــــا آنفـــــا، ثـــم إذا رأوا المصلحـــــــة فمــــــاذا يراعــــــــون؟ مصلحــــــــة الفقيـــــــر أم مصلحـــــــــة الغنــــــــي؟ أم المصلحتيــــــــن المتعلقتيـــــــــن بكــــــل مـــــن الفريقيـــــــن، إنمـــــا هــــي مصلحــــة واحـــدة.

أمـــــا الشـــــــارع فقــــــد رأى مصلحــــــــة الفريقيـــــــــــن، وهــــــذا هـــــو الفـــــرق بيـــــن حكــــم الشــــــارع الحكيـــــم، ونظـــــر الناظريـــــــن، والرائيــــــن مــــــن أهــــــل الـــــرأي، هـــــذا أريــــــد أيضــــــا أن أمســـــــك النظـــــــر إليــــــــه، وشـــــــيء آخـــــــر وأرجــــــو أن يكــــــون هـــــو الأخيــــر، هـــــؤلاء الرائيــــــن والناظريــــــن، والذيــــــــن يبحثـــــــون فــــــي مصلحـــــة الفقــــــــراء والمساكيــــن، هــــــؤلاء ينظـــــــرون إلــــــى المسألـــــة، التـــــــي نحــــــن بصددهــــــا والكـــــلام حولهــــــا، ينظـــــــرون إليهــــــا، بعيـــــــــن واحــــــــدة وهاكـــــــم البيــــــان:

يقولــــــون ليـــــــس مـــــن مصلحـــــــة الفقـــــراء، والمساكيـــــــن ولا هــــو مما يــــدل علـــى ذلـــك حكمــــة أحكــــم الحاكميـــــن أن يكــون الرجــــل عنـــــده الملاييـــــن المملينــــة، قيمــــة عـــروض التجــــارة ألا يفـــــرض عليهـــــا الزكـــــاة بغيـــــة حرمـــــــان الفقــــــراء والمساكيـــــن مــــن أن يحصلــــوا علـــــى حقهــــــم المعلــــوم، والمذكــــــور فــــــي قولــــــه تعالــــــى: {وَفــــِي أَمْوَالِـــــهِمْ حَـــــقٌّ لِّلسَّائِـــــلِ وَالْمَحْـــــــــرُومِ} [سورة الذاريات:19].

والجـــــواب علــــــى هــــــذا مـــــن ناحيتيـــــــن اثنتيـــــن، ولعلنـــــا ننتهـــــي مــــن بيانهمــــا مـــن الكـــــلام حـــــول هــــذه المسألــــــة لنتلقــــــى مـــــا قــــد يـــــرد علينـــــا مــــــن إشكـــــالات أو شبهـــــــات أو اعتراضــــات.

الجواب الأول: إننــــــا نحـــــن نتمســـــك بالأصــــل العــــام الــــذي سبقـــــت الإشـــــارة إليــــه فـــي أول الكــــــلام، فنقـــــول يجـــــب علـــــى هـــــــؤلاء الأغنيــــــاء – بعـــــروض التجـــــارة- زكــــاة منهــــا نفسهـــــا لتحقيــــــق الغايــــــة المطلوبـــــــة التــــــي مــــــن أجلهـــــــا فرضــــــت الزكــــــاة بكــــل أنواعهــــــا، وأشكالهـــــــا كمــــــا أشـــــــار إلـــــى ذلــــــك ربنـــــا عز وجـــــــل فـــــي القـــــرآن الكريـــــم فــــــي قولــــــه: {خُــــــذْ مِـــــنْ أَمْوَالِــــــهِمْ صَدَقَـــــــةً تُطَهِّرُهُــــــــمْ وَتُزَكِّيهِــــــم بِـهَــا} [سورة التوبة:103].

فإذن علــــى كـــــل عنـــــي عنــــــده عـــــروض تجـــــــارة أن يطهــــــر نفســــــه ممـــــا أحضـــــرت عليـــــه الأنفــــــس ألا وهــــــو الشــــــح كمــــــا قــــــال عـــز وجــــل: {وَأُحْضِـــــــرَتِ الأَنفُــــــسُ الشُّـــــــحَّ} [سورة النساء:128]. أن يطهـــــر نفســـــه مــــن هـــــذا الشــــح، بــــأن يخـــــــرج مـــــا تطيــــــب بـــــه نفســــه زكـــاة واجبـــــة عليـــــه لكـــــي يطهـــــــر نفســـــــه مـــــن دنــــــس البخــــــل والشــــــح، هــــذا الجــــواب الأول، فـــــلا يفهمــــــن أحـــــد أن الأغنيـــــــاء بعــــــروض التجــــــــارة أن لا زكــــــاة عليهـــــا مطلقــــا، لأن بحثنــــــا إنمـــــا هـــــو أن لا زكــــــاة عليهــــــــا مقننــــــة ممــــا سبـــــق بيانـــــه فــــي أول الكــــلام.

أمــــا الزكــــــاة المطلقــــــة لا بـــــد منهـــــا، كمـــــا قــــــــال تعالـــــى: { وَآتُــــــواْ حَقَّـــــــــهُ يَـــــوْمَ حَصَـــــــــــــادِهِ} [سورة الأنعام:141]، هــــــذا الحـــــق منـــــه مطلـــــق فيجـــــــري علـــــى إطلاقــــــه، وقســـــم منـــــه مقيــــد كمـــــا جـــــاء بيانـــــه فـــــي السنــــــة وفـــــي كتــــــب الفقــــــه أيضــــــا، علـــــى خـــلاف بينهــــــم فـــــي بعــــــض الفــــــــروع.

أمــــا الأمـــــر الآخـــــر، أقـــــول – والواقــــــع يؤكـــــد ذلـــــك- أن مـــــن حكمـــــة أحكـــــم الحاكميــــن أن الله عـــــز وجــــــل فـــــرض علـــــى المــــــال المكنـــــــوز زكــــــاة معينـــــــة بنصــــــاب معلــــوم مــــا دام هـــــذا المــــــال مكنـــــــوزا، ولـــــم يفــــــرض مثـــــل هـــــذه الزكــــــاة علـــــى هـــــذا المــــال إن كـــــــان مكنـــــــوزا وتحـــــــول إلـــــى عــــــروض التجــــــارة، فـــــي ذلـــــك حكمـــــة بالغــــة، لأن الفائـــــدة الكبــــــرى بالنسبــــــة للمجتمــــــع الإسلامــــــي ككـــــل، تتحقـــــق بعــــدم فــــرض الزكــــــاة هــــــذه مقننـــــــة علــــى هـــــذه الأمـــــوال التـــــي هـــــي معروضـــــة للتجــــارة أكثــــــر، بدليــــــل أن المــــــال المكنـــــــوز عنــــــدما يتحـــــــول إلـــــى تجـــــــارة، فــــي ذلــــــك تحريـــــــك لهـــــــذه الأمــــــــوال، وتشغيـــــــل الفقـــــــراء، والمساكيـــــن، تكـــــون فائدتـــــه أولا أكثــــر مـــــن هــــــذه النسبـــــــة المئويــــــة التــــــي تفـــــــرض علـــــى الأمــــــوال المكنــــــوزة مــــن ذهـــــب أو فضــــــة، ثـــم تكــــــون أطهــــر وأشــــــرف لهــــــم، كمـــــــا أشــــــار إلـــــى ذلـــــك عليــــه الصــــــلاة والســــــلام فــــي الحديــــــث المعـــــــروف:((اليـــــد العليــــــا خيــــــر مـــــن اليــــد السفلــــى، واليــــــد العليــــــا هــــــي المعطيــــــة، واليــــــد السفلــــــى هــــــي الآخـــــذة))(4)، وكمــــا قــــال فـــي الحديـــــــث المعــــــروف أيضـــا:(( أطيــــــب الكســــــب كســــــب الرجـــــل مــــن عمــــــل يـــــده، وإن أولادكــــــــم مـــــن كسبكـــــم))(5).

فإذن تحـــــول المـــــال المكنــــــوز إلــــى عـــــــروض التجـــــــارة، ذلــــــك أنفــــــع للمساكيـــــن، وأشــــــرف لهــــــم، لأنـــــه يأخذونـــــــه مـــــن كســـــــب أيديهـــــــم.

والحمــــــد لله رب العالميـــــن، هــــــذا مــــــا عنـــــــدي، والآن نسمـــــع مــــا عندكــــــم.

..................

(1): وجدته بهذا اللفظ: (الزكاة في هذه الأربعة الحنطة والشعير والزبيب والتمر): الصحيحة (879)، صحيح الجامع (3584)

(2): متفق عليه، ولفظه: ((ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه)). وفي رواية قال: ((ليس في عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) من حديث أبي هريرة.

(3): أخرجه أحمد في مسنده: ولفظه: ((عن حارثة بن مضرب أنه حج مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه أشراف أهل الشام فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا أصبنا من أموالنا رقيقا ودواب فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة. فقال هذا شيء لم يفعله اللذان كانا من قبلي، ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين)).

وجاء في في الموطأ (كتاب الزكاة):((عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب، فأبى عمر ثم كلموه أيضا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم قال مالك: معنى قوله رحمه الله وارددها عليهم يقول على فقرائهم)) والله أعلى وأعلم.

(4): متفق عليه

(5): قال الشيخ الألباني رحمه الله: (صحيح): صحيح الترمذي (1358)، صحيح ابن ماجه (2290)، الإرواء (1626)، صحيح الجامع (1566)من حديث عائشة قالت:

نقلته لكم

والدال علي الخير كفاعله

حسن محمود العتمني

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
×
×
  • أضف...